أمثل اسماعيل: صيّاد الحداثة الخاصة

حوار غادة علي كلش:

أمثل اسماعيل هو من الشعراء الذين يعملون على جمع الصورة الفنية مع الحالة الشعرية بحد ذاتها في سياق الكتابة الإيروتيكية التي تسم دواوينه بدءا من : “أنت…. وأعبر الأوان”  و”يعمّر الورد” إلى ديوانيه الجديدين الصادرين عن “دار نلسن” في بيروت: “قلب في أجساد عدة”.  و”الحياة وما يشبهها”. له أدوات صيد فنية وحسية مغايرة عن المألوف،وله آراء أيضا فيها من العمق ما يعكس قلب الجسد،أو جسد القلب. هنا حوار معه:

*تكرِّسُ في ديوانيك الجديدين: “الحياة وما يشبهها” و”قلب.. في أجساد عدة”. أعمالك الشعرية التي تتميز بالتنوع بين إيقاعات الوزن وبين  فنّ النثر،والتي تتوحد ضمن لغة  ذات مفردات ايروتيكية التصوير والتعبير والترهيف، هل أنت الإبن الغريب للسوريالية والواقعية معا؟

– بداية، في ديوانيّالجديدين، ليس من قصيدة وزن واحدة، خلافاً لدواويني السابقة التي مزجت فيها بين قصيدتيْ الوزن والنثر. اذن لا ايقاعات وزن بالمعنى الخليلي الكلاسيكي، أو التفعيلي المستجد في القرن الفائت. لا أدري ان كان تعبيرك “فن النثر” هو عدم اعتراف بما يوصف بقصيدة النثر، حيث ترين أن الشعر الحقيقي يقوم على الوزن، وان لم يفعل فهو نثر، أسوةً بالكثير من القراء و الذواقة و المثقفين حتى يومنا هذا. أتكلم هنا عن الوزن الخارجي، و ليس عما أهلكونا به تنظيراً واهياً لما أطلقوا عليه “موسيقى داخلية” في الشعر الحديث،وهي برأيي تسمية ملتبسة وغير جليّة أومقْنعة. و بالمناسبة لست مؤيداً لتوصيف “قصيدة النثر” وأفضّل عليه مثلاً “الشعر المُرسَل” أو “الشعر النثري”. هذا جوابٌ على الجزء من سؤالك المتعلق بالشكل، أما فيما يتعلق بالمضمون في الجزء الآخر،فأحببتُ استفهامك الطريف والفطِن،عمّا اذا كنتُ “الابن الغريب للسوريالية و الواقعية معاً”، و جوابي هو بلى، لكنها السوريالية الحديثة حسب أحد النقاد، والواقعية الوجدانية، الانجراحية المكسورة، الساخرة السوداء المرة الحلوة الحامضة الحارة.

*الجديد في ديوانيك هو خلطة جديدة من الحالات العاطفية التي ترتقي بالجسد الى لغة حسية وانسانية وشيئية غير تقليدية. هل يمكن القول انك تؤسس لتجربة حداثوية خاصة تحمل توقيعك دون غيرك في الحاضر والمستقبل؟

– ديواناي الجديدان يبقيان امتداداً أقوى لنبرتي الأولى في ديواني الأول. من حيث الخصوصية، مع تنويع أكثر عمقاً يمْليه العمروالخبرة الحياتية، والمراس الثقافي. لقد ابتدأت بخطوة التأسيس “للحداثوية الخاصة” ،حسب تعبيرك، في مسيرة الألف ميل منذ ” أنتِ.. و أعْبر الأوان”، و في “يُعمِّرُ الورد” ديواني الثالث، بلغت عالمي الجديد الخاص والمحايد، حيث قال الشاعر فؤاد رفقة: أمثل اسماعيل أو حداثة الحداثة.

*تغدو الطبيعة بمفرداتها البرية والجبلية والريفية والبحرية عالما تستمد منه لغتك الغزلية الإيروتيكية للجسد. هل قصيدتك تحتفي بالقلب والطبيعة والمادة معا، ضمن جمالية الإتحاد التعبيري  الكائن بين قامتيّ الرجل والمرأة؟

– تجربتي تحتفل وتحتفي بكل كائن حي وغير حي. بكل شيئ وباللاشيء. بالواقعي و الفعلي و الخيالي و المتخيل في آن. الطبيعة في شعري التي وصفتِها أراها كما أنا عليه،وليست كما هي عليه. وأزيد ” لكم طبيعتهم و لي طبيعتي”. أما القلب فهو الجوهرفي كل ما أكتب. انه حاستي السابعة، انسانيا و حياتيا. و هو “منظّم” و “منبّه” جسدي حسّيا .الجسد، عندي، هو اكتمال القلب. قلتها قبلاً و أرددها. و لا بأس لو ذكرت هنا أني “أغبطني” على عنوان أحد ديوانيّ  الذي هو ” قلبٌ.. في أجسادٍ عدّة “.

*هل يمكن القول إن التقنيات التي تعمل بها على نظم قصيدتك،هي أشبه بمختبر ذاتي خاص. وما هي مكونات هذا المختبر بنظرك؟

– بلى، يمكن القول أن تقنيات نظم قصيدتي، أو نثرها، نتاج مختبر خاص، لكني لا أؤمن بالخصوصية للخصوصية كما “الفن للفن”. هذه الخصوصية، عليها أن تحمل طيّها مايبررها و يُقنع بها من عناصرعدة. في حالتي بعض العناصر هي اللغة المتينة، لكن النضرة و المطواعة، اللغة العربية و ليس “ذات الوجه العربي” ، و أنا فخورٌ بعربيتي (وعروبتي)، بالاضافة الى حرارة التعبير و الاتقان التصويري الذي يسِمني حسب المتتبعين لتجربتي،والحرية.. وليدة المعرفة لا الجهل. كُتب الكثير عن مختبري هذا.. و قد ضمّنت ختام ديوانيّ بعض ما كُتب خاصةً لغادة السمان، والرائع الراحل زهير غانم.

*ماذا عن لقبك قطّاف الجديد الذي أطلقه عليك بعض النقّاد.هل يعجبك، أم انك تفضّل لقب الصيّاد؟

-استسغتُ لقب “قطّاف الجديد” الذي أطلقه عليّ الشاعر محمد علي شمس الدين ومعه الشاعر هنري زغيب منذ ربع قرن! زهوتُ به، بيني و بين نفسي، لسنوات، لكني اليوم أرى فيه رومانسية غنائية وجدانية كُنْتُها و لم أَعُدْها. أنا الآن الى لقب “الصياد” أقرب، لما فيه من الحرفة و المكر في التصويب و الاقتناص. هذا في الشعر، أما في الحياة الدنيا.. فصيتُ غنىً و لا صيت فقر(…) لستُ الا كما كتبتُ “جغَلٌ مع وقف التنفيذ”! و.. “صياد رحت صْطاد صادوني” على ما صدح به زميلي في الصيد البائس محمد رشدي..

 *من المعلوم أن الكتابة الإيروتيكية لا تلقى رواجا علنيا في المجتمعات العربية والإسلامية المحافظة. ألا يشكّل لك الأمرعقبة بالنسبة لمبيعات دواوينك في تلك الأسواق؟

-حسنٌ قولك “رواجاً علنياً”، اذ أنها تلقى رواجاً مستتراً.. من تحت الطاولة! دواويني الثلاثة السابقة نفدت و أعدتُ طبعها، وهذا نادراليوم، خاصة لشاعر بعيد عن الاستعراض الاعلامي الترويجي، و ليس له موقع صحافي وظيفي، و بالتالي سلطة و سطوة يَخدم و يُخدم من خلالها، كما هو جارٍ على قدم و ساق و فيما هو الفارياق. في بعض دول الخليج، كانت لتباع دواويني سرا، و أحاييناً كثيرةً كانت لتُهدى. فالشعر عندي غنى روحي و معنوي. اختصاصي الجامعي و عملي بعيدان عن “حرفة الأدب” و الابداع. و كوني ذكرت “الفارياق”.. أفلم يقل المرحوم المظلوم العلامة ” أحمد فارس الشدياق”: الرزق الذي يأتيك من شق كشق القلم، لا بد أن يكون ضيقاً..؟

6

Leave a comment