شهر الملائكة

walidشهر ما قبل الانتخابات تحوّل فيه كل ساسة لبنان إلى ملائكة.

المرشحون جميعهم أنقياء … أتقياء … شرفاء.

جميعهم، ولا أستثني أحداً، ضد الفساد والطائفية والمذهبية والتبعية.

جميعهم مع نظافة البيئة والكف والضمير.

جميعهم مع الاستقلال والسيادة والحرية ورفع اليد عن قصور العدل والمرجعيات القضائية.

سبحان الله. في لحظة انتخابية نادرة، هبطت القدسية والشفافية على شياطين السياسة.

وعود يقدمها النائب الموعود، تحتاج إلى مال قارون. وأخرى تدفع السويسريين إلى المطالبة بأن تكون سويسرا “لبنان الغرب”.

لقد إختار المرشحون لانتخابات 2018 التضحية بأنفسهم وأوقاتهم وأموالهم من أجل الوطن … وذلك بالفوز على الوطن.

ملائكة … ملائكة … ملائكة في كل دائرة وفي كل لائحة انتخابية.

أيها الناخب، إن مهمتك صعبة. فالكل سواسية في حرصه على مصالحك ومستقبلك وكهربائك ومائك وبيئتك ولقمة عيشك. فمن تختار؟

لكنها ستكون سهلة جداً لو تعلّمت من الماضي وعلمت أن النواب كالمنجمين، يكذبون ولو صدقوا.

هذه الانتخابات تشكّل في الحقيقة وثيقة اتهام شاملة.

نبدأ من قانونها الذي قصقص لبنان، كما تقص الراقصات فساتين رقصهنّ، مكثرات من الشقوق لإظهار “مفاتن” المذهبية و”إغراءات” الطائفية.

ونستمع إلى خطابات المرشحين وبرامجهم، فنجد أنها مجرّد وعود سريعة الذوبان.

ونمرّ على الإعلام الذي شاط ريقه للمال الانتخابي، فقبِل أن يتحوّل إلى “كباريه” مرئي ومسموع ومقروء.

لا أحد يجادل أينشتاين في “النسبية”. لكن النسبية في علم الفيزياء قد تم تزويرها في علم القانون اللبناني. فلو تحدّث أينشتاين لبنانياً، لتراجع عن نظريته واعتذر من العلم والعلماء.

في ما مضى من انتخابات كنا نتفاءل. وكان التفاؤل ينتهي دائماً إلى خيبة. ومن خيبة إلى أخرى، وصلنا إلى قانون النسبية الذي يشكل “أم الخيبات”. فإذا كان الواقع ثقيلاً، وهو أكثر من ذلك، فإن القانون الجديد، بما يحمل من عاهات، سيبقي الطائفية والمذهبية على قيد الحياة. بل سيجعلهما الحياة بكاملها.

إن صدور هذا القانون، الذي يبشر لبنان بأزمات أكبر مما نتخيّل، لم يبصر النور إلا بعد أن نجح المعطّلون للاستحقاق الانتخابي، في تعطيله لمواسم عدة.

وعندما خاف الأقوياء على إستقرار النظام الديمقراطي، وبالتالي، استقرار البلد، خضعوا لإجماع القهر. وقبلوا بقانون العيوب الكبرى.

في قرارة أنفسهم، لا ينكر سعد الحريري ولا وليد جنبلاط، وربما أيضاً نبيه بري، ولا سمير جعجع ولا “كتائب” الجميل … أنهم قبلوا بالنسبية والصوت التفضيلي مكرهين، للحفاظ على بقية ضئيلة من ديمقراطية أكلها الفراغ والتعطيل. فالعقول السوداء رأت أن هذا القانون يمنحها الجائزة الكبرى في يانصيب الوطن. وأنه يسهّل لها الاستيلاء على الأكثرية سواء بالترهيب أو بتحالفات الخوف.

إذاً، ها نحن نقترب من الانتخابات سائلين الله أن يحمي لبنان. لكن ممن ولمن؟! … هذا ما يريد أن يعرفه الله.

وليد الحسيني

Leave a comment