باب التبانة ـ جبل محسن: «بروفة» الحرب الأهلية (2)

من اشتباكات الجولة الـ18 في طرابلس

من اشتباكات الجولة الـ18 في طرابلس

الحرب الأهلية في العام 1975 بدأت بين شارع المطاحن في الشياح والشارع الذي يواجهه في عين الرمانة. واستمرت قرابة الثلاثة أشهر مقتصرة على المواجهة بين هذين الشارعين. وكانت الحياة خارجهما طبيعية، في بيروت وكل لبنان. والخوف أن يشبه اليوم البارحة. فها هي الاشتباكات شبه مستمرة بين باب التبانة وجبل محسن، وبعيداً عن هذين الحيين، تكاد تكون الحياة طبيعية. فهل تتمدد حرب المذهبين (السني والعلوي) الى كل لبنان، كما تمددت حرب الطائفتين (المسلم والمسيحي) في ذلك الزمن الماضي عندما اشتعلت المحاور في أغلب مدن الوطن وبلداته وقراه؟.

هذا ما يخشاه اللبنانيون وهم يتابعون عجز الدولة وسرعة انتشار ترددات ما يجري في الشمال في أغلب أنحاء لبنان، إذا لم يكن في جميعها.

إن فرص اندلاع الحريق الكبير والشامل، أكثر حضوراً اليوم، عما كانت في حرب 1975.

ففي الشمال تقوم حرب مصغرة عن الحرب في سوريا. والتورط اللبناني، المتعدد الجهات والتوجهات، في النزاع السوري، جعل ثمة تواصلاً بين ما يجري في القلمون وما يجري في الشمال، وما قد يجري في عرسال وجرودها.

ومن فرص الحريق الكبير أيضاً ظهور تنظيم القاعدة في لبنان، مع المعلومات الشحيحة عن أعداد محازبيه، وأمكنة وجودهم، ونوعية عملياتهم التي يخططون لها بسرية وحرفية عالية.

وثالث فرص الحريق الكبير وجود حالة مذهبية حادة، ما كانت موجودة في حرب 1975. مما يعني أن الانزلاق الى أحداث تشبه الحرب الأهلية، هي اليوم أكثر نضوجاً في لبنان.

ولا يفوت المحللون للأحداث، أن الحرب الأهلية الماضية، قامت وفي البلاد حكومة قائمة. في حين أن لبنان اليوم يعيش بلا حكومة، حتى ولو ادعت أنها تصرف الأعمال. وهذا الوضع الحكومي يساعد بدوره على تمدد الفوضى الأمنية، وبالتالي، تطورها الى حرب أهلية.

وسط هذه المخاطر البينة والشديدة الوضوح، تتغلب المواقف السياسية المتشنجة، لدى القيادات اللبنانية، على المواقف الوطنية. وهذا يؤدي بدوره الى غياب المعالجات العاقلة لهذه الأحداث المجنونة والمتمردة على التحكم بأمرها.

إن التناقض بين تصريحات القادة وأفعالهم، تكشف أن الكلام المعسول لا يطعم عسلاً، في حين أن الأفعال المسمومة تطعم سماً قاتلاً ومدمراً. فالاجماع على القول «أننا لن ننجر الى الفتنة»، لن يحول دون أن تجر الفتنة لبنان إليها. وكيف إذا كانت التصريحات نفسها تحمل الى جانب إنكار المذهبية، التحريض الشبه معلن على المذهبية.

إن طرابلس ذات التاريخ الثقافي تدخل في غياهب الجهل. وذات تاريخ التسامح يبتلعها الحقد. وذات تاريخ التعايش تسجل اليوم أبشع حالات التمذهب. وذات تاريخ البحبوحة الاقتصادية يأكلها منذ زمن الفقر والبطالة والركود. ومدينة رائحة زهر الليمون تلوّث هواؤها برائحة الدم والبارود.

لا شك، وسط هذه المعطيات، بأن لبنان يتجه الى الحرب الأهلية مرة أخرى. ولا ينفع في ردها القول، أنها لن تقع لأن الإرادات الدولية لا تريدها. وأن جنيف النووية، ومعها جنيف السورية، ستعيدان الاستقرار الى لبنان، وسترفعان العوائق عن طريق عودة الدولة بمؤسساتها كاملة.

من الواضح أن الإتكاء اللبناني على جنيف الايرانية، فيه من التمني ما لا يتوافق مع خروج مباحثات النووي بين إيران ودول الخمسة+ واحد، بنتائج ضبابية، تخفي النيات المبيتة. فمن الواضح أن إيران لا تستطيع السير طويلاً في التخلي عن برنامجها النووي، كما أن الغرب لن يرضى بالقليل الإيراني لرفع الكثير من العقوبات الاقتصادية. وهذا يقود الى أن التفاؤل بالاتفاق الايراني ـ الأميركي لن يعمر طويلاً، وبالتالي، يصبح التعلق اللبناني به مجرد أوهام ستسقطها حقائق مهلة الستة أشهر، المعطاة لإيران والغرب لاثبات حسن النيات السيئة. وهذا يعني أن المتغيرات الدولية لن تجري كما تشتهي سفن الأزمة اللبنانية.

أما الحديث عن جنيف 2 السوري، فهو أشبه بالحديث عن جنيف الحرب الأهلية اللبنانية في ثمانينيات القرن الماضي. هي مجرد مباحثات عبثية، تعقد شكلياً لانقاذ سمعة الولايات المتحدة وروسيا بصفتهما أصحاب الدعوة. فالمفاوضات التي ستجري في المنتجع السويسري محكومة بالفشل بسبب استحالة الوصول الى هوامش مشتركة بين النظام والمعارضة في ظل شروط الخطوط الحمر، التي يتمسك الفريقان بها.

وهذا رهان اقليمي آخر يسقط لبنانياً، ليؤكد أن الفوضى الأمنية في طريقها الى التصاعد.

ومما يزيد في خطورة الوضع اللبناني، بعد نتيجة الأصفار «الجنيفية» المنتظرة حكماً، يبرز تنظيم القاعدة كتنظيم متمرد على القيادات اللبنانية، ومتحرر من أي علاقات معها، مع ما يرافق عملياته الاجرامية من حرفية عالية وسرية تامة، كما حصل في تفجيري السفارة الإيرانية، يكون هذا التنظيم هو الضلع الثالث في مثلث الانفجار اللبناني الكبير.

وما بين نيران الأحداث السورية، ونيران الانقسام اللبناني، ونيران القاعدة، أي ما بين مثلث النار المشتعل، يصبح من الغباء السياسي والوطني انتظار هذه النيران أن تتحول برداً وسلاماً… وعندئذ على لبنان السلام.