غازي قهوجي فناناً وأديباً

غلاف الكتاب

غلاف الكتاب

غادة علي كلش:

اجتمعت في كتاب “غازي قهوجي فناناً وأديباً” اقلام ثلة من كبار النقاد والادباء والفنانين اللبنانيين والعرب، لاحتفاء بعلم من اعلام لبنان، الفنان غازي قهوجي، شهادات متنوعة النظريات والاتجاهات، وموحدة النتائج والاطلاقات، صبّت كلها في بحر ابداع الناقد والاديب والفنان اللبناني غازي قهوجي، الذي شكل ويشكل في الساحة الفنية والادبية، على صعيد لبنان، والوطن العربي، ظاهرة فريدة من نوعها، لا يختلف على فرادتها اثنان.

الكتاب اعده عبد القادر الحصني، وأصدرته (الحركة الثقافية في لبنان) وهو يقدم للمكتبات العربية، امثولة اديب ساخر، يتميز قلمه بأسلوب رائع وموجع في الوقت عينه. فقلمه بالغ السبر، حاني الحس، لاذع الحرف، حارث المبدأ، غارف اللغة، عازف السينوغرافيا، وناثر الفن. ذاك هو غازي قهوجي في كل كتاباته المتهكمة العالية التأثير، سواء في راهنية الضحكة، ام في زمنية الدمعة، ام في انخطافه الصفعة. ذاك هو غازي في جمالية المشهد المسرحي والتلفزيوني، اذ ترنو بصماته الفنية الى عظمة التواضع في العطاء، وإلى سحر العطاء بعظمة. يصطاد كل يوم في شباكه، لآلئ الاصداف، والكنوز النادرة الكامنة في القيعان، ليطرحها امامنا، دونما اي تقتير او اخفاء او انانية. لذلك وصلت اعماله وكتاباته الى اوج الجوائز والتقديرات، ووصل اسمه الى قمة جيل العطاء، محفورا بقلوب الشعراء والجمهور على حد سواء.

نقرأ من شهادة الشاعر الراحل جوزيف حرب التي خطها عن قهوجي، بكثير من الدقة والوجد، هذه السطور: “حيرني غازي قهوجي! حيرني في اي من الصفتين تعطى إليه: الاديب ام الفنان؟ هو كأديب، كامل الادوات، تعبيرا وصياغة، وأسلوبا، وجمالية فنية. ولعله ذو نوع أدبي قصصي، لا يلامسه احد، بهذا الوعي، والخطف، والتفاصيل، والواقعية الشعبية، والنقد الخفي، والسخرية، واللمحة الذكية، والوصف المحترف، والتهكم الماكر، والاغلاق المريب البارع لكل نص”.

ونقرأ من شهادة الاديبة غادة السمان عن كتابه النقدي الساخر “قهوجيات ـ أركيلة الحلم العربي”، “اعترف بأنني استمتعت بآلام غازي قهوجي، وهو يسيل دمعا مقهقا… فهو لا يترك حقلا سياسيا واجتماعيا واعلاميا وماليا لا ينشبه بلا اقنعة في عراء اللغة، فالانتفاضة هي “الانتفادة” على لسان احداهن “المشهورة بالدلوعة المفقوعة والفهمانة العريانة بكامل غبائها”.

ويقول الدكتور عبد الله ابو اهيف عن كاتبنا المكرم بهذا الكتاب: “انخرط غازي قهوجي لزمن طويل في الفن، فهو استاذ الدراسات العليا في فن الديكور والتصميم المشهدي، و”السينوغرافيا” وتاريخ الازياء في الجامعتين اللبنانية واليسوعية، ومصمم لمئات الاعمال التلفزيونية والمسرحية والسينمائية، وللعديد من المعارض والاحتفالات الفنية في لبنان والعالم”.

أما الفنان الياس الرحباني، فقد شكلت شهادته سيرة مختصرة لتعاون قهوجي “مع العوالم الرائعة في المسرحيات الرحبانية، فهو الصديق، الصافي، المحب ـ يقول الرحباني ـ وعندما تجلس معه… تشعر وكأن الوقت لا يمر، فالحياة عنده سباق مع المحبة”.

أسماء كبيرة كان لها مقارباتها الادبية والنقدية والجمالية في قلم غازي قهوجي وخياله وعلمه وذهنه، وابداعه وشخصه وأخلاقه. نذكر من هذه الاسماء، شوقي بزيع، ياسين رفاعية، عباس النوري، عبيدو باشا، هنري زغيب، عبد الله الناصر، فائق حميص، نرمين الخنسا، لامع الحر، ريما نجم، عمران القيسي.

وفي الكتاب، بعض من الحوارات الصحفية المحورية والمهمة، التي اجريت مع الفنان والاديب غازي قهوجي، منها الحوار الذي أجراه معه زميلنا الراحل الشاعر حسين نصر الله لمجلة “الكفاح العربي”.

الكتاب شهادة وفاء، تعادل رتبة وسام مذهب لصاحب القلم الذهبي، والفن الادبي.

بلد لكل فريق دستوره

يخضع الدستور اللبناني إلى ثلاثة احتمالات.  فهو إما شائعة يجري تكذيبها بأكاذيب مضادة.  أو سلعة تُعرض بالتجزئة، يختار منها السياسي ما يعجبه ويترك ما لا يعجبه.  أو مجموعة مواد تأويلية يبرع الشطّار بتفسيرها وفق الأهواء والمصالح.

إذا أمعنّا في وظيفته المعتمدة، والمحصورة اليوم بين هذه الاحتمالات الثلاث، يبدو لنا الدستور وكأنه وُضِع لتفريغ الدولة وتفتيتها، لا لتنظيمها وحماية مؤسساتها.

وإذا تابعنا المشهد الدستوري، فنجد أن دستور الطائف قد تعرّض لاغتصاب مذهبي وسياسي نتج عنه إنجاب دساتير عدة غير شرعية، وبمعنى أصرح وأقبح “دساتير أولاد حرام”.

دستور “8 آذار” يحرّم انتخاب الرئيس وربما النواب.  ويحلّل الفراغ، والثلث المعطل، وفيتو الوزير الواحد في حكومة الـ24 رئيساً للجمهورية.

ودستور “14 آذار” يصرّ على العيش بين أطلال “الطائف”، ويتمسّك بالنص على حساب النصف الآخر.

ودستور ثالث لرجال القانون وأهل الاختصاص، وظيفته تبرير الدستورين السابقين، إستناداً على مواد دستورية.

ودستور رابع لببغاوات الصف الثاني وملاحق الصحفيين الذين يرغبون في المزايدة، وبالتالي المبالغة في تقديم تفسيرات دستورية لا يحكمها منطق غير منطق الولاء الأعمى لأولياء النعمة في هذا الفريق أو ذاك.

خلاصة القول أن عدوى التعددية الدستورية، انتقلت إلى العامة التي أقبلت على قراءة الدستور بالأمنيات لا بالعيون، وبالإنتماءات لا بالعقول.

إذاً، نحن نعيش في بلد كل فريق له دستوره.  ولهذا، من المدهش أن نندهش بفوضى المؤسسات.  فلبنان لم يعد دولة ديمقراطية.  هو بلا رئيس للجمهورية، وهذه بدعة لبنانية لم تسبقنا إليها دولة.

وهو بلا سلطة تشريعية، لأن للبنان بدعة أخرى في هذا الشأن.  فقد قلبنا وظيفة النائب إلى معطّل لا مشرّع.

وهو بلا حكومة، رغم أنها لا مستقيلة ولا مقالة.  فقد تحوّلت إلى حكومة تصريف بعض الأعمال التي لا تصلح حالاً،لأنها إذا اجتمعت اختلفت … وإذا توافقت اكتفت بمعالجة أتفه الأمور.

إننا في دولة يحكمها لطف الله بعباده.  وإذا فتحنا أبواب الواقع، يترتّب علينا أن نقرّ بأن لبنان تحوّل من دولة ديمقراطية إلى دولة بوليسية.  وهذا لا يعني أننا في دولة قمعية، بل لأن أجهزة الأمن، من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام ومخابرات، هي فقط التي تعمل في هذه الدولة المحتضرة، لا المتحضّرة كما نزعم وندّعي.

سامر الحسيني

صيام عن الإبداع: الاقتباس بطل مسلسلات رمضان

كتب عبد الرحمن سلام:

اتّسم موسم رمضان 2014 الدرامي بـ”صيام” المؤلفين عن التأليف، وتحوّلهم إلى ناسخين ومقتبسين أو مجرّد مدبلجين لأفلام أجنبية شهيرة إلى العربية.

عملية الاستنساخ الدرامي العربي ليست ظاهرة جديدة، لكن مسلسلات 2014 بالتحديد خرقت الأرقام القياسية، وأصابت المشاهد العربي بحالة التباس لا تميّز بين عابد فهد وريتشارد غير.

الدراما العربية في خطر. فبعد دبلجة المكسيكي والتركي، ها هو “التعريب السهل” يصل إلى حد اقتباس نصوص الأفلام الأجنبية بالنقطة والفاصلة

مسلسل "لو" سجّل الاقتباس الأوسع، إذ لم يكتف صناعه باستنساخ قصّة فيلم "الخائنة" الأميركي من بطولة ريتشارد غير وديان لين، بل نسخوا أيضاً الأجواء الدرامية المحيطة بعابد فهد ونادين نسيب نجيم ويوسف الخال

مسلسل “لو” سجّل الاقتباس الأوسع، إذ لم يكتف صناعه باستنساخ قصّة فيلم “الخائنة” الأميركي من بطولة ريتشارد غير وديان لين، بل نسخوا أيضاً الأجواء الدرامية المحيطة بعابد فهد ونادين نسيب نجيم ويوسف الخال

.  إنها أزمة نصّ حقيقيّة، ناتجة عن افتقار بعض الكتاب القدرة على الابداع وابتكار الأفكار لخلق حياة دراميّة من صلب الواقع الذي تعيشه الأمة العربية.

شهدت دراما العام 2014 غزارة في الانتاج المصري – السوري – اللبناني المشترك، الذي حقق نسبة مشاهدة عالية، بغض النظر عن المستوى الفكري او الدرامي، او حتى الانتاجي ـ التقني. والمقصود هنا بالانتاج “اللبناني ـ المشترك” الذي تم بمساهمة لبنانية (ماديا وتمثيلا) مع شركات ونجوم من مصر.

ولأن انتاج العدد الاكبر ـ كما هي العادة منذ انطلاق الدراما التلفزيونية العربية ـ هو انتاج مصري، لا بد بالتالي من الاشارة الى ان هذه الدراما تأسست، واكتسبت هويتها، وطابعها السردي، على يد جيل من الكتاب، اتوا من خلفية سياسية واحدة، حتى وان اختلفوا احيانا حول بعض تفاصيلها، وليبقى الجامع بينهم وجهة نظر واحدة تجاه فن الدراما. من ابرز هؤلاء، الراحل اسامة انور عكاشة، ومحفوظ عبد الرحمن، ويسري الجندي، مرورا بأسماء كثيرة اخرى، وصولا الى الاجيال التي تلت، واستمرت، في غالبيتها مستظلة في ظل المؤسسين الاوائل.

لهذا، بقينا نسمع كتاب الجيل الجديد وهم يرددون في مجالسهم، ويقرنون اقوالهم بما قدموا من دراما، بتعابير جامدة، استغلها السابقون، يوم كانت تتناسب مع ظروف نشأة الدراما، وأيضا، استمرينا في سماع “الحوارات” ذاتها في كل تفاصيل اعمال كتاب النشء الجديد، الذين ما زالوا يتمسكون بمقولة “الدراما مرآة المجتمع”. وهذه المقولة مستمرة في تلخيص انتاجاتهم الفكرية.

لكن المشكلة مع هذه المقولة، ليست فقط في كونها “تغتال” الخيال، او لأنها تحاصر الابداع الدرامي بالواقع الاجتماعي المفرط، بل لأنها تسهم في عملية الاقصاء التي اصبحت سدا منيعا في وجه اي طموح يسعى الى جعل الدراما “مرآة لحياة الناس” وليس فقط “مرآة المجتمع”.  فأعمال اسامة انور عكاشة وابناء جيله من كتاب الدراما التلفزيونية، برمزيتها المعتادة، تعاملت مع “المجتمع” كطبقات واضحة، حيث كانت التوجهات، في صعود حيناً، وفي هبوط حيناً، وفي صراع شبه دائم احيانا. كما ان الاشخاص، بالاساس، في تلك الدراما، كانوا يعبرون عن افكار تمثل شرائحهم الاجتماعية، حيث ان كل شخصية لم تكن تعبر فقط عن فرديتها، وإنما تمثل “رمزا” لشكل ما، او لظاهرة ما، او حتى لطبقة اجتماعية. وكل هذه الرموز والعلاقات، كانت تتحرك، لترسم صورة عن هوية “مصر”، أو لذلك المجتمع المستهدف في الدراما المصرية، والذي من صلبه، تولدت الدراما المصرية بفضل كتاب مجبولين بطيف ثقافي ـ وطني ـ اجتماعي واع.

لنبدأ… مع ذكر الاسماء.

■ مسلسل “سرايا عابدين” الذي كتبت قصته الاديبة الكويتية هبة مشاري وأخرجه عمرو عرفة، سجّل في مقدمة “التيتر” انه “دراما مستوحاة من قصة حقيقية”. وفيها، يؤدي النجم السوري قصي خولي شخصية الخديوي اسماعيل.  هذه الشخصية، سبق ان أداها في العام 1962 الممثل القدير  الراحل حسين رياض في فيلم “ألمظ وعبده الحامولي”، ثم اعاد تقديمها ببراعة، الممثل محمد وفيق، في مسلسل “بوابة الحلواني”، ما يعني ان شخصية “تاريخية” واحدة، قدمتها الدراما المصرية ثلاث مرات، وبرغم ذلك، وجدت، في النسخة التاريخية الجديدة (سرايا عابدين) الانتقاد الكبير، حيث وصف “الامير” احمد فؤاد (ابن الملك الراحل فاروق)، في بيان اصدره في القاهرة، المسلسل المذكور، بـ”مسلسل المغالطات التاريخية التي تشوه تاريخ جد ابيه (الخديوي اسماعيل) الذي حكم مصر بين العامي 1863 و1879″، ومضيفا “ان هذا المسلسل يعتبر مهزلة تمس سمعة مصر”، و”ان احفاد اسماعيل لا يقبلون بمثل هذه الاهانات والاتهامات ولن يسكتوا عليها”.

■ وبالانتقال الى مسلسل “السيدة الاولى”، وهو دراما معاصرة، نكتشف ان بطلته الممثلة غادة عبد الرازق حرصت اشد الحرص على تجاوز رغبة المشاهدين بمقارنة جديدها بما سبق وقدمت من ادوار، وكأنها، مع كل مسلسل تلعب بطولته، تحاول الافادة من خبرة التراكمات، وان تبني عليها، وهذه من دون شك ايجابية تحسب لها. وهي في مسلسلها الجديد “السيدة الأولى” ارادت لدورها “مريم” ان يتشبه بالفعل بـ”السيدة الاولى”: اعصاب باردة… فولاذية، وعقل راجح، مدبر قادر على ضبط الهفوات وحتى منع حدوثها.

وما كان واضحا، في الحلقات التي تابعناها، هو خشية صنّاع العمل من “الاسقاطات السياسية”، وهذه الخشية فرضت بالتالي “توضيحا” في “تيتر” المسلسل الى ان الحوادث “هي من وحي الخيال وان اي تشابه مع اي وقائع مجرد صدفة غير مقصودة”.

بالمناسبة، هذا التنبيه وجدناه في “تيتر” اكثر من مسلسل في رمضان 2014 (المرافعة ـ ابن حلال… الخ).

ولأن الخيال المشار اليه، تداخل كثيرا مع الواقع المصري بعد الثورة، وجد المشاهد نفسه يبحث عن خيوط من حاضره وأمسه ليربط بها الشخوص والسرد والبعد، وليستحضر في ذاكرته سؤالا: من المقصود بشخصية “هاشم الرئيس” (لعب الدور ممدوح عبد العليم)؟ رئيس مصر الحالي الذي ـ بحسب المسلسل ـ يتعرض لمحاولة اغتيال في الذكرى الاولى لتنصيبه، فيما كان يعلن عن قرارات شعبية.

وما هي دلالات اضعاف هذا الرئيس في المسلسل المذكور، وإلى الحد الذي جعل الحكم في قبضة الزوجة “مريم”؟

اما مخرج المسلسل محمد بكير فلا شك انه وجد نفسه بمواجهة دقيقة ومهمة للغاية، جعلته بالتأكيد يتساءل: من هي بطلة “السيدة الاولى”؟ سوزان مبارك (زوجة الرئيس الاسبق محمد حسني مبارك) التي برزت في الواجهة خلال السنوات الاخيرة من حكم زوجها؟ ام هي جيهان السادات (زوجة الرئيس الاسبق محمد انور السادات) المعروف في سيرتها “ان بصّارة” توقعت لها الوصول الى منصب “ملكة”، وأصبحت في ما بعد السيدة الاولى؟

■ ومن المسلسلات الكوميدية التي وجدت اقبالا شديدا، وحققت نسبة مشاهدة عالية جدا، مسلسل “صاحب السعادة”، من بطولة النجم عادل امام، ومعه خفيفة الظل الممثلة “لبلبة”.

الواضح، ان المسلسلات التي تسند بطولتها لعادل امام اصبحت وجبة درامية اساسية على المائدة الرمضانية، منذ اعوام، ينتظرها جمهور كبير من المشاهدين، وأيضا من اهل السينما والنقاد. يعني “ابناء المهنة”. وللكل من هؤلاء هدفه من المشاهدة او المتابعة؟

وأغلب الظن ان هذا الالتزام السنوي ـ اذا جاز التعبير ـ ليس امرا سهلا على نجم بوزن عادل امام، لا سيما وانه اصبح يستعين بفريق عمل محدد، وعلى رأس هذا الفريق، المؤلف الكاتب يوسف معاطي الذي يمازحه الكتّاب الاصدقاء عندما يصفونه بـ”المؤلف الملاكي” للنجم عادل امام.  ورغم هذا “الوصف ـ المداعبة ـ الانتقاد”، فإن هذا المؤلف يثبت، مسلسلا بعد آخر، عن حس كوميدي لا ينضب، بل هو متقدم وقابل للتطور والاستمرار، حيث التراكمات الدرامية ـ الكوميدية اصبحت تملأ العديد من صفحات سجل الاثنين معاً: الممثل النجم والمؤلف الكاتب.

كذلك، يسجل حضور المخرج رامي عادل امام في “صاحب السعادة”، وهو الذي قدمه والده كمخرج منذ سنوات عدة، تميزا، فهو اثبت رؤية شبابية متجددة. اضافة الى حضور الابن الآخر، الممثل محمد، الذي يشارك هذه المرة بمساحة كبيرة، استنادا الى نجاحه في ادوار سابقة محدودة، اسندت اليه في العامين المنصرمين.

“صاحب السعادة” كمسلسل، يمكن اختصاره بـ”الضحك المجاني والنقد الاقل”، وعلى عكس ما تعوّده الجمهور من نجمه عادل امام، حيث “النقد الاجتماعي” غالبا ما كان طاغيا على اعماله السابقة، سينمائية كانت ام تلفزيونية، حيث “الضحك للضحك”، وهذه المرة، كان السمة الاكثر وضوحا في المسلسل الذي يروي حكاية اقل من عادية. لكن هذا لا يعني تراجع مقدرة عادل امام الكوميدية وامكاناته الادائية، فالعكس هو الصحيح، اضافة الى انه مستمر في ضخ “المواهب” الكوميدية الجديدة في الدراما التلفزيونية، ومن قبل السينمائية. وبالعودة الى عشرات الاعمال السابقة لعادل امام، نكتشف اسماء اصبحت اليوم ذات شهرة كبيرة في عالم الكوميديا، بعد ان شاركت الى جانب “الزعيم” بلقطة هنا او بمشهد هناك.

لقد اعتدنا، في اعمال عادل امام على كثير من الضحك المغلّف برسائل اجتماعية او سياسية انتقادية لفساد اهل الحكم، لكن هذ الحقيقة غابت عن “صاحب السعادة”، أو كانت جد خدولة، حيث اعاد البعض هذا الامر الى “فرصة” اراد المؤلف (ربما) وأيضا الممثل النجم، منحها للحكم الجديد في مصر، وليبقى هذا المسلسل، رغم صورته التي تعكس تراجع فكر الدراما التلفزيونية في مصر، كنوعية، مقارنة بالقصة، احد اقل الاعمال جودة في مسيرة المؤلف والنجم الممثل، مع الاعتراف بأنه كان الاكثر اضحاكا.

■ مسلسل “ابن حلال” قد يكون من المسلسلات الدرامية المصرية القليلة التي تنقل واقع حياة أبناء الاحياء الفقيرة الذين يعيشون على الهامش، ورغم ذلك، تجدهم سعداء، يسيرون (بحسب المثل) “جنب الحيط”، تجنبا لأذية قد تطاولهم من اصحاب النفوذ. ورغم ذلك، تصيبهم لعنة المتنفذين من دون اي ذنب ارتكبوه.

الكثيرون من الذين تابعوا احداث وشخصيات “ابن حلال” يرون ان وقائع الدراما في المسلسل، وأيضا الشخصيات التي يقدمها، معروفة لدى الكثيرين من ابناء الشارع المصري في عصر حسني مبارك، وتحديدا، الشخصية الرسمية التي قدمها الممثل احمد فؤاد سليم (صاحب السلطة الحاكم الآمر والمطاع)، وهي بدت قريبة جدا من شخصية وزير الاعلام المصري الاسبق صفوت الشريف.

ولا مغالاة ان ذكرنا ان “ابن حلال” اصاب اكثر من هدف بحجر واحد. فهو أولاً، قدم اكتشافا رائعا في عالم تجسيد ادوار “ابن البلد” الذي كاد ان يختفي برحيل الفنان احمد زكي، وجاء “محمد رمضان” بشكله، وبنيانه الجسماني، وتحركه العفوي، والكاريزما الخاصة به، ليملأ هذا الفراغ.

وهو ثانيا، قدم موضوعا من قلب الاحياء العشوائية بكل ما فيها من مآسي، حيث الاب يوافق على تزويج (بيع) ابنته، وحيدته، الصبية، من معمر ثري خليجي، طمعا بالمال، حيث الظلم يطاول الابرياء الذين لا حول لهم ولا قوة، حيث السلطة ورجالها هم المتحكمون برقاب وأرزاق العباد.

وهو اخيرا، اكد ان للباطل جولة (ولو كانت كبيرة) وان للحق جولات (مهما طال الزمن)، رغم أن احداث هذا المسلسل قد تجدها “بالمفرّق” في عشرات المسلسلات.

■ يصل بنا قطار الدراما الرمضانية 2014 الى ثلاثة انتاجات مصرية ـ لبنانية – سورية: “لو” من بطولة السوري عابد فهد واللبنانيان نادين نسيب نجيم ويوسف الخال. و”اتهام” من بطولة نجمة الاستعراض الغنائي ميريام فارس، ومعها من مصر: عزت ابو عوف، حسن الرداد، احمد خليل وسواهم. ومن لبنان: تقلا شمعون، نهلا داود، فادي ابراهيم وطوني عيسى وغيرهم. ثم “كلام على ورق” للنجمة اللبنانية هيفاء وهبي، ومعها من لبنان عمار شلق وندى بوفرحات، ومن مصر: ماجد المصري، احمد زاهر، الراحل حسين الامام، روجينا.

بالنسبة الى مسلسل “لو”، فقد بات معلوما لدى كل من تابع حلقاته انه مقتبس عن الفيلم الاميركي” الخائنة” Unfaithful الذي لعب بطولته النجم ريتشارد غير (عابد فهد في النسخة العربية) وديان لين (نادين نسيب نجم).

لا جديد يمكن ذكره عن “لو” سوى ان مخرجه نجح، بالاضافات التي ضخها المقتبس (ولا اقول المؤلف)، الى مط الساعة والنصف السينمائية، الى 30 حلقة تلفزيونية، ليعالج موضوع خيانة زوجية تقع في بئرها زوجة رجل اعمال، اخذته اعماله بعيدا عنها لبعض الوقت.

“لو”، جهز له صنّاعه كل وسائل النجاح: تمثيلا، مواقع تصوير، وفريق عمل تقني و… و… ويا ليتهم وفرو له، مع كل هذه الطاقات والامكانات، القصة المبتكرة التي تتماشى بتفاصيلها وواقع احداثها، مع واقعنا الاجتماعي العربي.

■ معروف ان النجمة ميريام فارس تتمتع بقاعدة جماهيرية كبيرة، جعلت كل الانظار تتوجه اليها والى مسلسلها “اتهام”، وفيه تلعب، للمرة الأولى، بطولة تلفزيونية درامية، والجميع يتشوق لمعرفة ان كان في مشاركتها “انجاز” ام “اتهام”.

الكاتبة كلوديا مارشيليان، تبنت في “اتهام”، قضية “الدعارة” (ذكر ان العنوان الاول المقترح للمسلسل كان “للكبار فقط: مدام كارمن”.

صحيح ان معالجة القضايا الحساسة لا تغيب عن نصوص هذه المؤلفة، لكن ما يؤخذ على “اتهام” كثرة حضور البكاء والنحيب والندب والسواد. وكل هذه “المعوقات” الحاضرة بوفرة، استكملها اخراج اللبناني فيليب اسمر الذي سلط الضوء عليها بقوة.

الحوادث في “اتهام” تتسارع حيناً، وتخف حيناً، وبعض المشاهد تشعرنا احيانا بالضحك بسبب “كومبارس” متكلم لا خبرة له في التمثيل، ولم تلق ادارة تمكنه من تفادي “الاداء المنغّم”، فيما مشاهد اخرى كانت اقرب الى “كليب” منها الى مسلسل درامي، وليبقى الجو العام مقبولا، وفي كثير من الاحيان جيدا من حيث التصوير والتقطيع وسواهما من الفنيات.

ميريام، المعتادة كثيرا على عدسات “الكليب” وتقديم الاستعراض، كانت جريئة بوقوفها امام كاميرا الدراما التلفزيونية، فيما اداؤها تأرجح ما بين العفوية والصدق، والتصنّع والتمثيل، والمبالغة في التعبير، خصوصا في مشاهد الندب واللطم والبكاء. برغم انها تميزت في مشاهد التأثر حيث تجنبت “الانهيارات المفتعلة”، إلا ان صوتها المختنق كان يضيّق على انفاسنا كمشاهدين.

ميريام فارس، لم تظهر في “اتهام” كنجمة تبدّل في كل مشهد، فستانها، لكنها ايضا لم تصل الى حدود الممثلة المتصالحة مع نفسها، حيث ظهرت في احد المشاهد (داخل المستشفى) بكامل ماكياجها، وبذلك، بدت “جميلة” في “ابشع” اللحظات و… المواقف، وهذا عيب الدراما اللبنانية التي لا تهتم بالتفاصيل الصغيرة التي قد تشكل تحولا خطيرا في مسار العمل وفي تأثيره في المشاهد.

■ كثيرون ربما تساءلوا عن سبب اختيار هيفاء وهبي لتلعب بطولة مسلسل “كلام على ورق”، وهو باكورة اعمالها الدرامية التلفزيونية، بعد تجربة سينمائية ناجحة في فيلم “دكان شحاتة” المصري.

وكثيرون في المقابل، تساءلوا ان كان سيناريو “كلام على ورق” هو الذي فرض هذا الاختيار، ام ان النص تمت كتابته وفي ذهن صناع العمل اسم هيفاء وهبي، وبالتالي، تم اسكانها في دور كتب خصيصا لها، ولامكاناتها.

لكن، في الحالتين، يبقى ان شخصية هيفاء امتزجت بشخصية “حبيبة” (بطلة المسلسل) وتفاعلا معاً الى درجة التوحد الدرامي، ما اسهم في اقناع مشاهدي “كلام على ورق” ان “حبيبة” هي الوجه الآخر لـ”هيفاء”، وان العكس صحيح ايضا؟ ولا شك في ان حضور هيفاء وهبي في مسلسل تلفزيوني يشكل عنصر جذب جماهيري كبير، تماما مثل حضور زميلتها ميريام فارس في مسلسل “اتهام”.  وحضور الاثنين كان كافيا لاحتلال مسلسليهما المكانة المتقدمة على جدول العروض الدرامية الرمضانية، ولكن من دون ان يشكل هذا الحضور دفعا للفكر الدرامي التلفزيوني، حيث لم يجد المشاهد اي جديد لا في الرؤية، ولا في الفكرة، ولا في الحوارات، بل ما حدث كان العكس تماما، حيث تقاربت اجواء المسلسلين الى درجة كبيرة، ودارت اجواء “اتهام” حول موضوع “الدعارة”، فيما تمحورت أجواء “كلام على ورق” داخل “كباريه” يمارس صاحبه “تجارة الاجساد” و… على عينك يا تاجر.

فهل ان النجمتين هيفاء وميريام، من وجهة نظر صنّاع “اتهام” و”كلام على ورق”، لا تصلحان سوى لمثل هذه النوعية من الدراما؟ ام ان هؤلاء وجدوا فيهما “دجاجتين تبيضان ذهبا” كما يقول المثل الشعبي؟

الاحصائيات تؤكد ان الرأي الاخير كان المتقدم عند صناع المسلسلين، من دون ان يسقطوا من حساباتهم الرأي الاول، بدليل كثرة الشاشات العربية التي سارعت الى شراء حق العرض للمسلسلين، لمجرد انهما من بطولة نجمتين جماهيريتين، وليس لأي سبب درامي أو فني آخر؟

■ الدراما السورية في رمضان، يصح بمعظمها القول انها “نسخة طبق الاصل”.  وإذا كان “باب الحارة” قد فتح الابواب العريضة امام “دراما البيئة الشامية”، فإن سبحة هذه الدراما “فرطت” في موسم 2014، بحيث اصبح المشاهد يتابع الشخصيات ذاتها، وإنما بممثلين مختلفين. فكما في “باب الحارة” (منذ حلقته الاولى) زعيم، وعكيد، وحارس، وزبال، وصاحب مقهى، وحمام شعبي و… و…، كذلك الحال في معظم المسلسلات السورية التي تقدم “البيئة الشامية”، مع اختلاف بسيط في المضمون، ومع اجماع على فكرة مواجهة “المحتل الفرنسي”، ومن قبله “العثماني”. بل اكثر من ذلك، فإن كبار نجوم الدراما السورية الذين استمروا بالعمل داخل بلدهم، متحدين كل المصاعب التي واجهتهم، انحازوا، في غالبيتهم، الى فكرة تقديم دراما “البيئة الشامية” في رمضان 2014، وأغلب الظن ان وراء هذا الانحياز، رغبة بالتأكيد لمحاربة الاستعمار (دراميا).

صحيح ان “الفكر الدرامي” العام لكل هذه المسلسلات تمحور حول موضوع واحد، وإنما “الاختلاف” الذي ميزها كان في “تنوع” القصص، وتناسقها مع واقع وحقيقة حدوثها. فـ”الزعيم” في “باب الحارة” ـ في كل اجزائه ـ هو مختلف شكلا ومضمونا عن زعيم “طوق البنات”.  و”عكيد” “باب الحارة” هو غيره، في سلوكه وغيرته على حارته وأبنائها، في “الغربال”.  و”حارس البوابة” في “باب الحارة” كان تقليديا، فيما هو في المسلسلات الشامية الاخرى التي دارت في الاجواء ذاتها، مختلف، وصاحب حضور فاعل.

خلاصة القول، ان الانتاج الدرامي السوري، لم ينوّع في منطلقات افكار مسلسلاته في رمضان 2014، ولكنه بالتأكيد، قدم “الحارات” الشامية، من وجهات نظر متعددة، وكذلك قدم شخصيات هذه “الحارات”، الرئيسية، بأشكال متعددة وغير نمطية، وليبقى الغائب الاكبر عن الدراما السورية في هذا الموسم، الدراما الاجتماعية المعاصرة التي سجلت في الاعوام السابقة حضورا لافتا، ولعل السبب، كما ذكرنا، هو تفاعل الانتاج السوري، والفنان السوري، مع الواقع المعاش على الارض.

حديث الشارع: هكذا ننصر غزة

العرب يستعرضون أحدث أسلحة الإدانة ضد حرب غزة

العرب يستعرضون أحدث أسلحة الإدانة ضد حرب غزة

تقول الدعابة السوداء أن قارباً أشرف على الغرق، فطلب قبطانه من الركاب التضحية للتخفيف من حمولة المركب.

تحمس الألماني وقال تحيا ألمانيا… وألقى بنفسه في البحر.

تحمس الفرنسي وقال تحيا فرنسا… وألقى بنفسه في البحر.

تحمس الروسي وقال تحيا روسيا… وألقى بنفسه في البحر.

وأخيراً وصل الحماس إلى الانكليزي فقال تحيا انكلترا… وألقى بالهندي في البحر.

وعلى طريقة «حماس» الانكليزي ينصر العرب غزة.

لا يفعلون ما فعله الألماني أو الفرنسي أو الروسي.

الجميع يتمسك بـ«بطولة» الانكليزي… وعندما يبلغ «الحماس» أشده يقولون تحيا فلسطين ويلقون بالأطفال والنساء في بحر الاستشهاد.

وهكذا ننصر غزة من الغرق في أمواج القذائف الإسرائيلية الهائجة والهوجاء.

… وإنها «ثورة» حتى «النصر»… «شاء من شاء وأبى من أبى».

«شوارعي»

محمود النجار: القلب البديل غربة الوريد عن الجسد

حوار غادة علي كلش:

 يعيش الكاتب العراقي محمود النجار، ومنذ زمن ليس بالقصير في هولندا. أي وسط حياة المجتمع الأوربي بكل فئاته.  هو شاعر واعلامي أيضا، وعضو إتحاد الكتاب والشعراء الهولنديين .شارك في الكثير من الأمسيات الشعرية العربية- الهولندية المشتركة . وتمت ترجمة الكثير من أعماله الى اللغة الإنكليزية والهولندية وبعض اللغات الأخرى . روايته الأخيرة” القلب البديل” التي صدرت عن “الدار العربية للعلوم ناشرون” تخط سيرة صراع بين الحياة والموت، وتروي سيرة غربتين. حول هذه الرواية  كان “للكفاح العربي” مع  محمود النجار الحوار الآتي:

* تغدو معادلة البديل في روايتك الأخيرة” القلب البديل” أبعد من تجريد الفعل أومن تفريد الإجراء. كأنما البدائل تستقيم في ثلاثة أبعاد: الموت/ الحياة وما بين الموت والحياة.هل يمكن اعتبار روايتك هذه مرثية إشكالية بطلها وضحيتها في الوقت عينه القلب؟

– قد تكون  روايتي  هي من الأعمال القلائل التي استطاعت أن تكتب عنوانها منذ الوهلة الأولى وأن تتمسك به كعنوان دائم لعمل روائي وجد له مكاناً بين الكتب ولم تتنازل عنه ، وقد أضحى عنواناً ثابتاً لا بديل له وهو القلب البديل ، مثلما اختطت ونقشت حروفها الأولىبنفسها على قمة أسطر فصولها.

نعم استطيع القول بأن رواية القلب البديل  ،هي أبعد من أن تتلخص بالحديث عن عملية كبيرة ومعقدة ، إلا وهي عملية زرع القلب. هي بالفعل مثلما تفضلت بسؤالك ، أبعد من تجريد الفعل وفرادة الإجراء وتفاصيله ، فهي تحمل في طياتها الكثير من الأبعاد الانسانية ، واستطيع القول بأن الرواية تتحدث عن إنسان بصورة قلب وقلب ينبض بلا تناغم وبوجعٍ لا تضبط إيقاعاته أية قواعد تذكر ، لكنه أصر على أن يبقى إنساناً ومعطاءً وكان على يقين أن يلتقي برفيق يحبه ، ليتبادلا الحياة معاً . فإن الواهب ودع قلبه والمستفيد اِحتضن القلب ورحب به واِنتعش بالأخذ والعطاء بذات الوقت ، وبهذا صنعا معاً سمفونية الحياة مع اليقين الوافر والركون بعض الوقت تحت الرعاية الإلهية بمرحلة غيبوبة قلقة على ضفاف الموت. وهي كما أشرت إليه حضرتك في سؤالك وفي شقه الثالث بالتحديد، بأنها مرثية بطل القلب ذاته .

* السرد في فصول الرواية، يرتقي بالمكنون الصوتي الداخلي،إلى سيرة من نوع آخر- ان صح التعبير- سيرة لا تخلو من صدى النبض والدماء،ولا من يوميات الحياة البديلة. ما هي البوصلة الفنية التي استخدمتها كروائي وشاعر،في استجواب ايقاع الأوردة؟

– بالفعل بدأت الكتابة مثلما أسلفت من قبل ، منذ الاستيقاظ الأول من الغيبوبة التي سافرت بها الى ضفاف العالم الآخر والعودة للحياة ، عالم الموت وضفاف السَكينة لعدة أيام ، ومنذ تاريخ العودة ولحظاتها الأولى والإنتباه لما يدور من حولي واستقبالي للحياة الجديدة بتلك الدهشة المغموسة بالوجع والفرحة التي حاول العقل أن يؤجلها، لهذا حاولت توثيق الكثير من الحالات الإنسانية ومحاولة لتقديم الشكر لمن وهبوني الحياة وأعادو لي البسمة التي نسيت طرائقها وملامحها منذ زمن طويل، وهم مجموعة متكاملة .إنها القدرة الإلهية والواهب الإنسان الذي تبرع بقلبه ، أما عن البوصلة الفنية ، أظنني حاولت أن أنقل تجربتي الحياتية بطريقة سردية وإيصال رسالة معنونة عن واقع حياتنا العربية ، ولهذا حاولت جاهداً إدخال ما استطعت من الواقع الحقيقي ومخاضات حيوات إنساننا العربي، محاولاُ التطرق بطريقة مبسطة  الى طفولتنا وما مرّت به من براءة وقساوة وألم وصولاً لمرحلة الشباب الذي عانى ويعاني من حرائق الحروب وارهاصات الحرمان والكبت . حاولت من خلالها إيصال رسالة للقارئ أينما كان عما يدور في حياتنا العراقية والعربية وعما يدور بالجانب الآخر من الحياة وهي حياة الاغتراب وحياة التطور الغربي. نعم  حاولت أن تكون الرواية وبوصلتها عبارة عن خلطة إنسانية خالصة تحمل الكثير من الألوان والشخوص الحياتية التي تصادفنا ونتعامل معها .

* ثمة غربتان أساسيتان في الرواية. غربة البطل عن قلبه. وغربته عن وطنه. هل يخاف المرء برأيك من خسارة الوطن أكثر من خسارة القلب؟ ولا ننسى ههنا أن البطل حاول في الماضي وهو في بلده أن ينتحرمع صديقيه؟

– هناك غربتان قاحلتان ، من المؤكد إن الغربة الأولى هي غربة الوطن والتي قاربت على العقدين من الزمن وأدمن عليها بطل الروايةبكل مراراتها وعقمها ، بل إعتبرها انتصاراً للحياة وجهاداً ، إرتحل بقلبه المتعب باحثاً عن عشبة الحياة المفعمة بالصحة والكرامة ، وهاهو يظفر بها بآخر المطاف ، فلو إنه تقاعس وبقي في وطنه الأم ، لقضي أمره منذ ما يقارب العقدين من الزمن ، وهذا ما أشار اليه وما مرّ به وسجل معاناته بين فصول الروايه من موت محقق قبل هذا البديل الناقذ والمخلص، أما غربة القلب عن البطل أو العكس، فأنها حقيقة طبية وعلمية وربانية ، فليس من السهل تطابق الأنسجة ورضوخ القلب لحاضنة جديدة بعد مرور أكثر من اربعة عقود ونيف ، لهذا كانت مرحلةالترويض صعبة وعملية معقدة ، تلك التي نشأت بين القلب والجسد ومحاولة تطويع وقبول أحدهما الآخر ،ولم تمر تلك العملية بسهولة ، وقد حدثت بعض الانتكاسات الصحية المتفاوتة ، لولا رعاية الله والرعاية الكبيرة من قبل الأطباء ، بالأضافة إلى العقاقير الباهظة الثمن ودعوات الأهل ودموع الوالدين والأخوة والأخوات .. أما المقاربة بين خسارة القلب وخسارة الوطن .. فكلاهما خسارة موجعة وتعني ” لا الحياة ” ، ولولا الوطن والقلب لما وجد للبطل أو القلب أي نبض يذكر ، أما الحديث عن محاولة الانتحار للطفل اقصد البطل في طفولته ، لهو دليل قاطع على شخصية البطل القوية وعدم تقبله للخسارة بسهولة وهذا ما انعكس على طريقة حياته والنجاحات الكثيرة رغم الكبوات خلال مسيرته الطويلة ، وما تحمله شخصيته من عناد واصرار على الوصول لغايته ، كان هو الدافع القوي على اتخاذه قرار إجراء العملية بمفرده وكان لديه القناعة الكاملة على النجاح واصرار كبير على الاستمرارية والتشبث بالحياة .

* تشهد بلادنا العربية تاريخا مفصليا مخيفا. كيف تتفاعل شخصيا مع هذه التحولات الدراماتيكية في العراق بشكل خاص؟

– لم أنفصل يوماً عن قضايا بلدي وبقية البلدان العربية، بل أن جميع النشاطات التي قمت بها من خلال مؤسستي الثقافية التي انشأتها عام 2010 ” مؤسسة أوطان الثقافية في لاهاي ، كانت تصب في غالبية انشطتها برسم الصورة الجميلة والحقيقية أمام المتلقي الأوربي، أما كيفية التعامل مع التحولات والأفكار والأفعال التي تدور في العراق ومنذ زمن ليس بالبعيد ، فأنه شيء يبعث على الحزن والقلق والخيبة وهي العقبة التي هزمت على جدرانها كل أحلامي ،وليس هناك الشيء الكثير الذي أفعله ، إلا الإلتزام الأخلاقي والصبر لقلمي ودعم كل مافيه خير لبلدي وشعبي من خلال القصيدة والرواية وما تطلقه أناي على منابر الأمسيات والمهرجانات الشعرية والأدبية، محاولاً نشر الخير والتحدث عن نعمةالأمان وصون ديمومة التعايش بهذه الحياة ، محاولاً إيقاد شمعة أمل أمام كل ما أراه وألمسه من تراجع سريع إلى زمن اللاستقرار واللاوعي والجهل والتخلف والقتل والدمار العشوائي الذي تمر به بلداننا العربية بصورة عامة وما يمر به العراق من خراب على وجه التحديد .

* كونك أيضا على تماس ثقافي مؤثر وفعال في هولندا، كيف تقوّم لنا فنون الآداب الهولندية،علما أننا لا نسمع الكثير عن الشعراء والكتّاب الهولنديين؟

– هناك في هولندا حراك ثقافي وأدبي دؤوب يكاد لا يتوقف على مدار السنة ، وحب الهولنديين للشعر وللرواية كبير ، بل أستطيع القول إن الغالبية العظمى منهم مازالوا متمسكين بشئ جميل قد نفتقر إليه في عالمنا العربي، ألا وهو القراءة المستمرة وحب الاطلاع على ثقافات العالم المختلفة، وهذا ما يجعلهم متقبلين وبرحابة صدر لثقافة الآخر والتعاطي معه، وإعطاء الفرصة للاستماع والاستمتاع ،في الوقت ذاته دعم المبدع أو المثقف من خلال توفير الكثير من مستلزمات النجاح وتطوير موهبته وقدراته الفكرية والأبداعية الأخرى، قد يختلف إنتاجهم الأدبي عما قرأناه سابقا من صور ومتغيرات وفلسفة وبحوث ورسائل ، تلك التي عاقرت وتزامنت ازمنة الحروب والتحولات السياسية والثقافية والمادية والوجودية، لكن أوروبا الآن وهولندا على وجه التحديد ، تمر ببعض البحبوحة الفكرية والهدوء الفكري والانساني، فغالبية كتاباتهم أخذت تتغنى بمرحلة الشباب والغنج والتي تحاكي البيئة ومفردات الطبيعة وألوانها والإنسانية ومفردات الحب المستريحة الخالية من العذابات والفراق وقسوة الأهل والشوق.. أما عدم سماع الكثير عنهم ، وذلك لاتساع الفجوة الفكرية بين ما تمر به ثقافتنا وبلداننا العربية وبين بحبوحة الثقافة والتقدم الذي يمرون به ، وبين ما تمر به امتنا من تراجع ومآسي وحروب وعدم الأهتمام بثقافات الآخر ، بالأضافة إلى صعوبة اللغة الهولندية ومحدودية مفرداتها ومستخدميها وعدم تداولها بشكل كبير خارج حدود هولندا ، ومع كل هذا  قدمت كما هو شأن عدد من المثقفين في الخارج  على صعيد التفاعل وتمازج الثقافات في أكثر من عمل عربي هولندي مشترك ، نشاطات عدة، وآخرها الإحتفالية التي أقامتها مؤسستنا ” أوطان ”  بالتعاون مع مسرح داكوتا  بمناسبة مهرجان الشعر العالمي والذي شارك فيه عدد من الشعراء الهولندين واذكر منهم ، اديث ده خلده وفرانس تيركن وخيرت فينامه وبريوني بورنس وآننا ديوريس واليزابيث دي بليكورت وغيرهم كثر.

مادلين طبر: أشتهي الموت

حوار عبد الرحمن سلام:

تؤمن مادلين طبر بأن “كلمة واحدة في دور صغير خير من بطولة فارغة من أي مضمون”.  هذا الإيمان دفعها إلى الوقوف أمام النجم عادل إمام في مسلسله الرمضاني “صاحب السعادة”، ورفض أدوار بطولة أخرى لم تقتنع بها.

ولمادلين فلسفتها الخاصة، إذ بقدر ما تحب الحياة “أشتهي الموت للقاء الله”.

أما تجربتها الفنية فهي مليئة بالقصص والأسرار التي ترويها في حوارها مع “الكفاح العربي”.

خائفة من سقوط الثورات العربية في أيدي الشياطين

خائفة من سقوط الثورات العربية في أيدي الشياطين

■ سأبدأ الحوار معك من محطة سعيدة عشتها اخيرا وتمثلت بتكريمك في “نادي الشمس” بالقاهرة. فلماذا كان هذا التكريم؟

– التكريم جاء على اثر ندوة “حرب المخابرات ودور الاعلام” التي دعا اليها نادي الشمس، وتمت برعاية ميمي موريس واشراف رئيس النادي سامي البيومي، وحضرها الكثير من قيادات الجيش والمخابرات السابقين، لمناسبة انتصارات القوات المسلحة المصرية في اكتوبر. اما سبب تكريمي، فيعود الى الدور الوطني الذي اديته في فيلم “الطريق الى ايلات”. وأعترف انها المرة الاولى التي احضر فيها ندوة تضم مثل هذا العدد الكبير من الشخصيات صاحبة التاريخ المجيد في النضال الوطني.

■ وماذا عن مشاركتك في احتفالية يوم المعوق العالمي؟

– انا بطبعي احب المشاركة في اي عمل خيري ـ انساني، ولا ارفض اي دعوة ذات صلة بمثل هذه الامور. ومنذ ايام، تشرفت كذلك بلقاء رئيس المتحف المصري، واقترحت عليه ان تكون زيارة المتحف المصري جزءا من المقررات الدراسية، لا سيما وان النشء الجديد له الحق بمعرفة تاريخ الاجداد العظماء، وان يتعلم كيف ان مصر هي “ام الدنيا” بحق، وان يتعرّف على “اخناتون” و”رمسيس” و”توت عنخ آمون” و”كليوباترا” و”مينا” وغيرهم من ملوك مصر، لتشكل هذه المعرفة حافزا لجيل الشباب، وكي لا نرى في المستقبل شبابا غرّر بهم يحرقون علم وطنهم.

■ وهل تعتبرين ان انتاج فيلم “الطريق الى ايلات” اسهم في تحقيق هذه الرؤية؟

– الافلام ذات الطابع الوطني تترك من دون شك اثرها وفعلها في نفوس المشاهدين، وردود الافعال التي تلقيتها، سواء عن دوري، او عن فيلم “الطريق الى ايلاتط كدراما وطنية، يؤكد واقع هذه النظرية، كما ان استقبال جمهور المشاهدين في مصر وبقية الوطن العربي لهذا الفيلم، والتكريمات التي حظي بها، يدخل في السياق ذاته.

■ من خلال تجربتك مع فيلم “الطريق الى ايلات” هل تجدين ان انتاج الافلام الوطنية يحتاج الى ميزانية كبيرة غير متوافرة لدى قطاع الانتاج الخاص في مصر؟

– انا ارى، وبالاستناد الى التجربة، ان لا وجود لمنتج فرد، مهما بلغت درجة ثرائه، قادر على تحمّل تكلفة انتاج فيلم وطني، او حتى هو قابل للمخاطرة بمثل هذا الانتاج، بدليل ان كل “كلاسيكيات حرب اكتوبر” السينمائية، ومنها على سبيل المثال: “بدور”، “الوفاء العظيم”، “الرصاصة لا تزال في جيبي”، وصولاً الى “الطريق الى ايلات”، كانت من انتاج الدولة. وأرى ايضا، ان دور وزارات الثقافة في الوطن العربي، هو في انتاج مثل هذه الاعمال التي ربما لا تحقق مردودا ماديا كبيرا، لكنها بالتأكيد تحقق اهدافا تربوية ـ تثقيفية ووطنية.

■ لكن، رغم اعترافك هذا بدور الافلام الوطنية، يأخذ الكثيرون عليك تجنبك الحديث عن الثورات العربية التي شهدتها المنطقة في السنوات الثلاث الاخيرة؟

– هذا صحيح. وقد تعمدت الابتعاد عن هذا الموضوع، خصوصا وانني ضيفة مقيمة على ارض مصر وأؤمن بأن الشعب المصري ادرى بشؤونه وشؤون بلده، وان واجبنا، هو دعمه في كل اختياراته. لكن ما اعلنته دائما وفي كل الحوارات واللقاءات الاعلامية، كان يؤكد انه لا يوجد فنان في العالم ليس بداخله  ثورة. وان هذه الثورة تهدف دائما للتغيير. سواء كان هذا التغيير للصالح العام او لصالح الفرد. بمعنى انه من الممكن ان تقوم بداخل الانسان ثورة حتى يغيّر من نفسه. وأنا سعيدة بكل الثورات العربية، وفي الوقت ذاته، خائفة من سقوطها في ايدي “شياطين” هذا العصر.

■ تعيشين وحيدة منذ سنوات في مصر، بعيدة عن الاهل والاسرة؟

– منذ وصولي الى مصر الحبيبة، اعتبرتها وطني الثاني، واستطعت ان اكوّن فيها صداقات هي اقرب ما تكون الى الاخوة. لكن هذا لا يعني الانقطاع ـ لا سمح الله ـ عن اهلي وبلدي، فأنا اتواجد في لبنان كلما وجدت الوقت، بدليل وجودي اليوم، بعدما انهيت دوري في مسلسل “صاحب السعادة”.

■ كنت اود ترك موضوع مشاركتك في هذا المسلسل، وما اثار من ردود افعال، جانبا، حتى لا “أتهم” بـ”التشويش” او بـ”صبّ الزيت على النار”.

– لا بأس من الخوض في الموضوع، وأنا سمعت كل ما قيل حول مشاركتي في “صاحب السعادة”، ولم اعلق او ارد على الاطلاق، لانني مقتنعة بما فعلت.

■ ما الذي وصلك من “انتقادات” حول هذا الموضوع؟

– وصلني، وعلى لسان بعض اهل السينما، وكذلك اهل الصحافة الفنية، “استغرابهم”، كي لا استعمل تعبيرا آخر، قبولي المشاركة بدور  صغير في مسلسل “صاحب السعادة”، بعدما اعتذرت عن دور اكبر مساحة بكثير في مسلسل “المرافعة”، وان البعض اعتبر الامر “سوء تقدير” من طرفي.

■ وأنت، كيف اعتبرت مثل هذا التصرف؟

– بكل بساطة، وجدته منطقيا ولأسباب كثيرة، ابرزها، ان الوقوف امام نجم بحجم عادل امام، ولو في مشهد واحد، هو “بطولة” لأي فنان، فكيف سيكون الحال لو كان هذا الدور الصغير الحجم له اهميته في سياق العمل ككل؟ انا انسحبت من “المرافعة” لأنني لم اقتنع بالدور الذي اسند اليّ، وبغض النظر عن حجم الدور او مساحته على الشاشة، لا سيما وان قناعتي اليوم، تختلف عما كانت عليه في الماضي، بحيث صرت اؤمن بأن “كلمة واحدة” لها تأثيرها على سياق العمل، اهم بكثير من بطولة فارغة من اي مضمون.

■ سمعت الكثير من اصدقاء لك، عن خوفك الكبير من “الحسد”. فما حقيقة ما سمعت، وهل تؤمنين بـ”شرور الحسد”؟

– في واقع الامر، فإن الحقيقة لا تتعلق فقط بالحسد بقدر ارتباطها بالحقد، خصوصا الحقد الطبقي. فأنا ارى هذه الآفة في كل مكان، وعند الكثير من الناس. ان نسبة الفقراء في العالم العربي كبيرة جدا، و”ينتظرون” من الاغنياء أن ينفقوا عليهم او ان يوفروا لهم الحياة الكريمة، ولا اخفيك انني تعرفت الى اصحاب رؤوس اموال عمدوا الى تصفية اعمالهم في اوطانهم العربية وانتقلوا للعيش وللاستثمار في الخارج، بسبب هذه الآفة الخطيرة.

■ هل صحيح ان كلمة “خيانة” في حياة مادلين مطر شكلت الكثير من المنعطفات في حياتها الانسانية؟

– الخيانة عندي يقابلها تعبير “الزوج” لأنني اراها من اختصاص  الازواج، وهي كانت السبب في طلاقي، برغم انني سامحت هذا الزوج اكثر من مرة، وأعترف انني عانيت كثيرا من تكرار خيانته لي، وكأنه يستخف بذكائي وأنوثتي، والاهم، بكرامتي. ولأنني خشيت ان اصاب بأي مرض او عقدة نفسية جراء هذه الخيانات، اخترت الانفصال.

■ مادلين. هل تشعرين بالفعل، ان شخصيتك مملوءة بالتناقضات، كما يحاول البعض تصويرها؟

– في هذه النقطة تحديدا، فإن ما يقال صحيح. ورغم عشقي للحياة، إلا انني “احب” الموت(!)

■ وهل هناك من “يحب” الموت؟

– انا ارى ان كل من يحب الله، لا بد من أن يحب الموت. ولأنني تواقة الى رؤيته، اصبح الموت عندي طريق الوصول اليه، فهو الذي اكرمني في حياتي ووفقني في عملي. ولا اضيف جديدا ان قلت انني “اشتهي” الموت ولقاء الله، منذ كنت في السابعة عشرة من عمري، خصوصا واننا جميعا نؤمن بأن “التناقض” يخلق التفكير.

■ يتحدث المعارف والاصدقاء كثيرا عن “كرمك”. والبعض يجد في الامر بلوغ هذا “الكرم” حد التبذير؟

– الكرم من شيم العرب. وأنا عربية بطبعي وطباعي، ولكن ليس الى حدود التبذير، كما يروّج البعض. انا مؤمنة جدا، وأفرّق بين الكرم والتبذير، وأعلم تماما ان المبذرين كانوا “اخوان الشياطين” وانا، ولله الحمد، لست منهم.

■ المثل يقول “ان الطيور على اشكالها تقع”. فهل قابلت في حياتك من هو “اكرم” منك؟

– بل قابلت اكثر الناس كرما على الاطلاق، ولن اخفي الاسم ولا التفاصيل.

■ حديثنا اذاً؟

– هو النجم الكبير الراحل احمد زكي رحمه الله. وأتذكر أنه، في فترة مرضه، وكنت امرّ بضائقة مالية صعبة للغاية، لا اعرف كيف علم بالامر، حيث ارسل بطلبي لزيارته في غرفته بالمستشفى، وعندما دخلت، بادرني بالقول، ومن دون مقدمات: “افتحي يا مادلين هذا الدرج”. وأشار  الى درج طاولة صغيرة كانت بالقرب من سريره. ففعلت، لأفاجأ به مملوءاً بالنقود.

وتدمع عينا مادلين طبر وهي تستكمل الحكاية: وبلا مقدمات، تابع احمد زكي “انا عارف انك محتاجة فلوس. وأعرف تماما انك ست شريفة وترفض الطرق المعوجّة، ويا ريت ما تكسفينيش وتاخدي ما يكفيك”.

وتتوقف مادلين لبرهة، قبل ان تتابع: وقتها… بكيت كثيرا، وشكرته على موقفه الانساني النبيل وعلى كرمه. اما المبلغ الذي اخذته، فقدرني الله سبحانه وتعالى الى تحويله لصدقة جارية عن روح احمد زكي الطاهرة، بعد وفاته، ألف رحمة عليه.

■ مادلين… لكل ممثلة (ممثل) اسلوبه الخاص في اختيار ادواره. فكيف تختارين ادوارك، وهل من مستشار او اكثر يساعدك في هذا الامر؟

– سأبدأ من القسم الثاني من السؤال، وأقول ان ليس لدي مستشارين، وإنما اصدقاء من النقاد وأهل السينما، استشيرهم في كثير من الاحيان، وأتناقش معهم في السيناريو الذي يكون معروضا عليّ، وفي احيان كثيرة آخذ في رأيهم، وفي احيان اخرى يأخذون هم في رأيي. أما كيف اختار ادواري، فلا بد من بداية قراءة السيناريو ككل، ثم الدور المسند الي بشكل جيد، لأتعرف تماما على فريق العمل اولا، وأيضا لمعرفة تأثير دوري على سياق العمل ككل. فإن وجدته ايجابيا، اتكلت على الله، وإلا، اعتذرت.

■ هل ممكن ان يأتي الرفض لسبب لا علاقة له بالسيناريو؟ او بالدور؟

– ممكن جدا. فقد اعتذر بسبب اسم المخرج. أو اسم اي ممثل او ممثلة سبق لي التعاون مع اي منهما ولم اجد الراحة المطلوبة.

■ ألا تعتقدين ان مثل هذه “الاعتراضات” قد تسحب منك الكثير من الادوار؟

– انا ممثلة حفرت تاريخي بالدموع والتعب. ولي جمهور اعتز جدا بحبه وبثقته بي، وليس عندي اي مشكلة في رفض اي عمل ارى انه لن يضيف الى مسيرتي، او اتأكد انني لن اجسد الدور المطلوب بالشكل المناسب.

■ وعلى المستوى المادي… ألا تؤثر فيك مثل هذه القرارات؟

– على الاطلاق. وهذا السبب كان وراء تكويني شركة انتاج خاصة بي. ثم انا في الاساس صحفية ـ اعلامية ويمكنني اعداد البرامج او تقديمها وكتابة المقالات، لكن يبقى عشقي الاول الذي احرص ان يكون دائما في المقدمة هو العمل الدرامي السينمائي والتلفزيوني الذي اشدد على ضرورة تناسقه مع مسيرتي.

■ في “حنان وحنين” شاركت كل من عمر الشريف وأحمد رمزي وسوسن بدر ادوار البطولة. الفنان احمد رمزي انتقل الى رحمة الله، والفنانة سوسن بدر غائبة بعض الشيء عن الشاشتين، والنجم عمر الشريف اعلن اعتزاله العمل الفني. فكيف تقبلت كل هذه الانباء؟

– بالنسبة الى الراحل احمد رمزي، فلا حول ولا قوة، ولا اعتراض على مشيئة الخالق، فنحن نؤمن ان “لكل اجل كتاب”. أما الزميلة سوسن بدر، فإن غيابها بعض الشيء عن الشاشتين خسارة للفن وليس لها، خصوصا وانها زرعت في مسيرتها الفنية عشرات الافلام والمسلسلات والادوار المميزة. اما بالنسبة الى نبأ اعتزال الفنان عمر الشريف، فأنا، حتى اللحظة، غير قابلة لتصديق نبأ اعتزاله. صحيح ان الموضوع يتعلق بـ”الحرية الشخصية” وان عمر الشريف هو الوحيد صاحب الحق في تقرير ذلك، لكنني، ان قدر لي والتقيته، سأصارحه القول بأن اعتزاله سيشكل خسارة فادحة للسينما العربية بشكل عام، ولفن التمثيل بشكل خاص لأنه قيمة فنية لا يقدر بثمن.

■ هل من ذكرى تحملينها منه جراء مشاركتك له في “حنان وحنين”؟

– لقد اقتربت منه كثيرا خلال العمل، وأيضا من الراحل احمد رمزي، وأدركت، من خلال هذا الاقتراب، مدى عشقهما للفن، ومدى تواضعهما الشديد، وانضباطهما في العمل والمواعيد، وأذكر تماما ما قاله لي النجم عمر الشريف ذات يوم، عندما رآني اصل الى موقع التصوير قبل الوقت المحدد بأكثر من ساعة، حيث ابتسم وقال: المجيء الى موقع العمل قبل الوقت يعني الخطوة الاولى على طريق الالتزام. استمري كذلك ولن تندمي وإياك ان تفعلي كما بعض “نجمات” هذا الجيل اللواتي يعتبرن التأخر بالوصول “برستيج”.

■ مادلين، في “الدردشة” التي دارت بيننا قبل بدء الحوار، تطرقت الى دورك في مسلسل “اهل الهوى” فذكرني انه “الاقرب” الى قلبك؟

– هذا صحيح.

■ والسبب؟

– في الحقيقة هناك اكثر من سبب واحد. اولا، لأنه حقق نجاحا كبيرا، والعديد من شاشات التلفزة العربية طالبت بحق عرضه بعد العرض الاول، الامر الذي اسهم في تدعيم موقعي كممثلة. وفي “اهل الهوى”، كنت اجسد شخصية “برنسيسة” من الطبقة الارستقراطية في زمن ما قبل ثورة 23 يوليو 1952، وهي شخصية “سطحية”، تعتقد انها موهوبة في نظم وقراءة الشعر والبلاغة، فيما الحقيقة عكس ذلك تماما، ما منح الدور والمسلسل نكهة كوميدية استقبلها الجمهور بالترحيب.

■ وتأثير هذا الدور عليك، كيف كان؟

– بحسب تعليمات الكاتب والمخرج، كان المطلوب مني ان اؤدي الشخصية بمنتهى الجدية، وكنت ارى العاملين خلف الكاميرا وهم غارقون في الضحك، لا سيما وان هذه “البرنسيسة” كانت تتلفظ بكلمات جوفاء، بلهاء، وفي اعتقادها انها تنظم شعرا حقيقيا.

■ لو اطلعنا على مسيرتك مع الافلام والمسلسلات، سنجد انها، غائبة تماما عن الكوميديا. فهل فكرت في اداء ادوار كوميدية؟

– من الظلم القول ان “الكوميديا” غابت عن كل ما قدمت من ادوار، فهناك شخصيات ذات ملامح كوميدية قدمتها وان لم تكن “كوميدية” بالمعنى الكامل. ثم هناك مشاركتي في مسلسل “قط وفأر فايف ستار” مع الفنان الصديق سمير غانم ودوري فيه كان كوميدياً، وأذكر ان النجم سمير غانم لفتني الى انني اتمتع باحساس كوميدي كبير، وطلب مني مشاركته في اعمال مسرحية كوميدية. ايضا، سبق لي ان شاركت الفنان الجميل محمد هنيدي في حلقتين من فوازير “مسلسليكو”، وبدوره نصحني بالتوجه للكوميديا. ولكن يبقى مثل هذا التوجه مرهونا برؤية وبرغبة المخرجين الذين يسندون الادوار لي.

■ اخيرا. ما الجديد الذي تحضر له مادلين طبر؟ وهل من نية بالعمل في الدراما التلفزيونية اللبنانية بعدما اصبحت قادرة على جذب الجمهور المحلي والعربي؟

– بالنسبة الى الجديد، فسأدخل الستوديو للمشاركة في دور رئيس في مسلسل مصري اوشك مؤلفه على الانتهاء منه، وقد اطلعت على ما انجز وأيضا على الدور الذي سألعبه ووافقت عليهما. اما بالنسبة الى مشاركتي في الدراما اللبنانية، فأعتقد انها ستكون اكثر فعالية وانتشارا اذا استمرت في الانتاج المشترك، ماديا وفنيا، وكما حصل ويحصل في اكثر من مسلسل، حيث النجوم من لبنان ومصر وسوريا وسواها من العواصم العربية، وبمثل هذه الانتاجات، سأكون مستعدة للمشاركة، وإنما، كما ذكرت، بشرط الموافقة على السيناريو والدور، وفريق العمل.

■ سؤال أخير. هل ما زالت مادلين طبر تتمسك بلقبها “سيدة الاحلام”؟ وما هي حكاية هذا اللقب؟

– “سيدة الاحلام” لقب تكرم به عليّ الشاعر الصحفي عبد الغني طليس بعدما صارحته بأنني املك كماً كبيراً من الاحلام اسعى الى تحقيقها. رغم انني حققت جزءا كبيرا منها، إلا انني ما زلت متمسكة باللقب، لايماني بأن لا حدود للأحلام، وأيضا، لأن هذا اللقب يزيد من تفاؤلي.

إلى «حماس» والمتحمسين لها: تعالوا نتصارح

walidلسنا بحاجة إلى كل هؤلاء الشهداء، وإلى كل هذا الدمار، لإثبات وحشية إسرائيل وهمجيتها.

مشاهد غزة مفجعة، وتدفعنا إلى غضب وهيجان تعودناهما في كل الحروب البشعة التي تشنها إسرائيل علينا.

كل حرب كانت تنتهي إلى هدنة، تحرص «حماس» على تسميتها «تهدئة»… في دلالة مغشوشة لعدم اعترافها بإسرائيل كدولة.

وعندما يهدأ الوحش الإسرائيلي، وتتوقف آلة القتل والتدمير، نكتشف أننا فقدنا مئات الشهداء، وأحصينا آلاف الجرحى والمعوقين، بالإضافة إلى دمار كبير في بيوت الفقراء وأبنية المؤسسات الرسمية، مع تخريب هائل للبنى التحتية.

تمَّ كل هذا من دون أن نحرر شبراً إضافياً من أرض فلسطين المحتلة… أو نقتلع بيتاً في مستوطنة إسرائيلية.

تعالوا نتصارح.

تعالوا نعود إلى أصل المقاومة، كما تعرفها الشعوب التي تحررت، وكما عرفناها في النصف الأخير من القرن الماضي.

إن تكرار التضحيات المجانية لا تعطيكم صفة المقاومة، إلا بمظهرها الإعلامي. ولا تصل بالعدو الإسرائيلي إلى الهزيمة، لكنها تصل بكم الى السلطة، وكأنها الغاية وكأن المقاومة وسيلة.

لن نجاملكم ونسير في ركب الغوغائية الشعبية المتعامية عن الحقيقة.

كل هؤلاء الشهداء يذهب دمهم هدراً عندما يحين وقت التسوية، التي يسعى إليها الجميع، بمن فيهم التنظيمات التي تبحث عن أمجاد إعلامية.

المقاومة يا سادة هي تلك التي بدأتها فتح قبل أن تُحقن بمخدرات أوسلو. وهي تلك التي أدمنتها الجبهة الشعبية قبل أن ينضبط نشاطها على إيقاع السلطة في رام الله. وهي تلك التي أدتها القيادة العامة قبل أن يتراجع دورها في الأراضي المحتلة لحساب دورها في دول الانتشار الفلسطيني.

عودوا إلى العمل السري والعمليات النوعية، إذا أردتم أن يتوجع عدوكم ويفقد مبرراته في قتل الأبرياء، عندما يجد نفسه في حرب مع الأشباح، التي لا يعرف لها مقراً ليمارس فيه بطشه ووحشيته.

أما أن تأخذكم شهوة السلطة، فهي انكشاف لمقراتكم، ودعوة لاستباحتها بالقصف العشوائي، وبالتالي، استشهاد مجاني لأطفال ونساء وشباب وشيوخ، لا ينتمون إليكم ولا يعنيهم إذا كانت السلطة لهنية أو لعباس.

عودوا إلى العمل السري والنوعي إذا كنتم صادقين.

لا مفاوضات عباس، ولا «تهدئات» حماس ستحرر فلسطين.

استيقظوا من غفوتكم في قصور الحكم، ومن غفلتكم، التي طالت، عن الكفاح المسلح.

لأننا نريد فلسطين من النهر إلى البحر، لن نغرق في بحر أوهام طموحاتكم السلطوية. ولن نهلل لـ«بطولاتكم» التي يدفع ثمنها شعبنا في غزة.

الإنتصار ليس بعدد أيام الصمود، بل بالنتائج.

والمكتوب معروف من عنوانه السابق في «تهدئة» الرئيس المخلوع محمد مرسي في العام 2012.

أخيراً، نريد نصراً… لا ما شُبِّه به. والنصر لا يأتي بخوض حروب «التهدئات»، ليرتفع من خلالها إسم قطر في إسرائيل وأميركا… ولترتفع أسهم حماس في قطر!.

وليد الحسيني

قهوجيات: جمعية الحمير

لقد سَبَقَ وكتبتُ عن الحمير في ركن “قهوجيات” مرَّات عدة، وذكرتُ محاسنها وأوردتُ فضائلها وكيفية تنفيذ ما يُطلب منها بدقة واخلاص وطاعة نادرة من دون تململٍ أو تذمَّر.

لفتني منذ أيام ما جاء في “الأهرام المسائي”، حيث أوردت مجلة “ذاكرة مصر”، التي تصدر عن مكتبة الاسكندرية في عددها الرابع عشر، وهي مجلة تعنى بتاريخ مصر الحديث والمعاصر، وتستكتب باحثين ومؤرخين، وتعرض وجهات نظر مختلفة ومتنوعة، ولقد وَثَّقت في عددها لشهر تموز (يوليو) 2013 واحدة من أطرف الجمعيات الأهلية التي عرفتها مصر، وهي “جمعية الحمير المصرية”، التي أسَّسها المسرحي المخرج الراحل “زكي طليمات” وتضم ثلاثين ألف عضو يحملون ألقاباً عدة. فعند انضمام العضو إلى الجمعية يُلقَّب بالحرحور أي الجحش الصغير! ثم يحصل على رتبة أعلى بحسب جهوده، وقد يظل العضو 20 عاماً من دون أن يحصل على اللقب الأكبر وهو “حامل البردعة”! أي حمار كبير!! ولم يحصل على هذا اللقب سوى ثلاثة أعضاء من الجمعية هم: زكي طليمات، شكري راغب والمرسي خفاجي رئيس الجمعية الحالي.

ترجع بداية تكوين هذه الجمعية إلى إنشاء معهد الفنون المسرحية في العام 1930 على يد زكي طليمات، وكان الهدف تمصير المسرح والخروج بعيداً عن الارتجال إلى الدراسات العلمية. وبعد مرور عامين أوعز البريطانيون إلى الملك فؤاد أن المعهد يُمثل خطراً على حكمه لأنه عندما يتعلَّم المصريون كتابة المسرح سيخرجون إلى الناس بمسرحيات تشير إلى الفساد والأخطاء. اقتنع الملك وأصدر قراراً باغلاق المعهد. وبرغم المحاولات المضنية من جانب زكي طليمات لإعادة فتح المعهد إلاّ أنه فشل. وبعد زواجه من “روز اليوسف”… قاد عبر مجلتها حملة لإعادة فتح المعهد، فهداه تفكيره إلى تأسيس “جمعية الحمير” لما يتميّز به الحمار من صبر وطول بال وقوة على التحمُّل. وكان الغرض من هذه الجمعية هو إعادة فتح المعهد. إنضم إلى طليمات في تأسيس الجمعية شكري راغب مدير دار الأوبرا آنذاك. وبفضل جهود أعضاء الجمعية أعيد فتح المعهد. وانضم إلى الجمعية عدد من أبرز المفكرين والأدباء والفنانين المصريين مثل: طه حسين وعباس العقَّاد وناديه لطفي وأحمد رجب… وعند وفاة الفنان “السيّد بدير” آخر الأعضاء المؤسسين للجمعية في العام 1986 كادت الجمعية أن تُغلق لولا أن أحياها الدكتور محمود محفوظ وزير الصحة المصري الأسبق ورئيسها الحالي “المرسي خفاجي”.

واجهت الجمعية منذ تأسيسها مشكلة رئيسية وهي عدم اعتراف الحكومة المصرية بها بسبب اسمها، وأصاب الاحباط أعضاء الجمعية، وفقدوا أهم صفات الحمير وهي الصبر والتحمُّل، وقرروا تغيير الاسم ليتسنَّى لهم اشهارها، ولكن وزارة الشؤون الاجتماعية ظلَّت تماطل وتسوِّف في الرد على طلب الاشهار.

وتقدم الجمعية خدمات مختلفة للمجتمع منها محو الأميَّة وتشجير الأحياء وإنشاء الحدائق واستصلاح الأراضي وتمليكها للشباب وتنظيم الرحلات الداخلية والخارجية ورعاية المرضى من خلال عيادات الأطباء الذين انضموا للجمعية، وتقدم أيضاً الأجهزة الطبية الحديثة كهدايا للمستشفيات الحكومية.

د.غازي قهوجي

kahwaji.ghazi@yahoo.com

دعوة إلى الحقيقة: داعشيات

walidسبق الرحابنة «داعش» بأكثر من خمسين سنة، عندما ابتكروا في مسرحية «بياع الخواتم» شخصية «راجح»، الذي جعل منه «المختار»، أي السلطة، رجل الشر المسؤول عن كل الأحداث السيئة.

لكن الفارق بين عصر «راجح» وعصر «داعش» أن «راجح» الحقيقي كان يبيع الفرح، في حين أن «داعش» الحقيقي يرتكب أبشع جرائم القتل والتدمير.

والسؤال:

إذا كان «راجح» كذبة يسهل تصديقها، فهل يقبل المنطق هذا النفخ الهائل، الرسمي والإعلامي، لحجم «داعش» وقدراتها العسكرية؟.

المطلوب منا أن نصدّق أن هذا التنظيم الوليد والمبهم، بمقدوره أن يحتل ويحكم كل هذه المساحة الجغرافية المكتظة بالبشر، والممتدة من مشارف دير الزور في سوريا، الى مشارف بغداد في العراق.

والمطلوب منا أن نصدّق أن «الداعشية» تحقق انتصاراتها الساحقة، في مواجهة الجيشين العراقي والسوري. وفي مواجهة الأكراد وبعض القبائل والعشائر العراقية. وفي مواجهة «نصرة القاعدة» و«جيش المعارضة السورية». وفي مواجهة طلائع الخبرات العسكرية الأميركية، وطائراتها البلاطيار. وفي مواجهة إيران وحرسها الثوري.

هل المطلوب أن نصدّق أنها تحارب كل هؤلاء… وتنتصر!.

إذا صح هذا، فهذا يعني أننا أمام جيش جرار يستطيع فعلاً أن يعمم زعيمه خليفة للمسلمين، وأن يعمم انتصاراته باستعادة الأندلس وفلسطين وضم إيران وتركيا وما ضاع من فتوحاتنا الأوروبية.

إن هذه «البانوراما» الداعشية هي أكبر خدعة بصرية وسمعية. فما تقوله أجهزة المخابرات الغربية، وما تروج له أجهزة الإعلام العربية والعالمية، يضعنا في خانة الأغبياء إذا ما صدّقناه.

لا بد من البحث عن «السر الخفي»، الذي جعل من هذا التنظيم الأسود، نظاماً يهدد المنطقة بعربها وعجمها.

بالعقل والمنطق يستحيل أن تكون «داعش» الحقيقية سوى نموذج لـ«راجح» الكذبة.

لا شك في أن وراء اختراع هذا الوهم الكبير قوى كبرى تسعى الى تنفيذ مخططات أكبر.

لقد فشل «الربيع العربي» في تحقيق كامل مشروع «الفوضى الخلاقة». فصحوة مصر المبكرة سحبت الموقع الأهم من المخطط المشبوه. وذلك عندما نجحت في تطهير مصر من حكم الإخوان. وكذلك العجز في حسم الصراع في سوريا. بالإضافة الى التمرد على نتائج الربيع العربي في ليبيا. الى جانب اضطرار الإخوان الى الدخول في صفقة التوازنات مع المعارضة في تونس… كل هذا أدى الى اختراع «داعش» كأداة قادرة على إشاعة الرعب وتحقيق التهجير القسري، العرقي والمذهبي، وصولاً الى التقسيم الذي كان هدف الفوضى الخلاقة.

نستطيع أن نقول جازمين أن «داعش» مجرد أداة تنتهي بانتهاء مهمتها… إلا أن مهمتها بالغة السوء… والمشكلة أن القضاء عليها بالغ التعقيد طالما أن العداوة تفرق بين أعدائها.

وليد الحسيني

التمديد الثاني: ضرورات «البرلمان» تبيح محظورات الدستور

ساعة التمديد تدق في ساحة النجمة

ساعة التمديد تدق في ساحة النجمة

الأربعة ملايين مواطن لبناني، في طريقهم الى مشاركة المليون والنصف مليون نازح سوري، في شتى أنواع الظروف المعيشية القاسية. فجميع القاطنين على أرض «سويسرا الشرق» مهدد بالعتمة والعطش والعجز عن ولوج أبواب المستشفيات، إلا من استطاع إليها سبيلا.

إنه الفراغ الذي يتنقل بلا رادع من المؤسسات الدستورية، الى مستلزمات الحياة اليومية.

ما حصل، وما في طريقه الى الحصول، ليس من باب التهويل، ولا يرتبط إطلاقاً بالمخيلة التشاؤمية، التي تفرض نفسها على كل لبناني مهما كان متفائلاً.

ما حصل واقع، وما سيحصل نتيجة.

في المؤسسات، لا داعي للتذكير بأن الفراغ المتعمد في رئاسة الجمهورية سيؤدي الى شبه فراغ في مجلس الوزراء. إذ يكفي أن يمتنع واحد من أصل24 صاحب فخامة عن توقيع أي مرسوم ليتحول الى مصنف في أرشيف مجلس الوزراء. خصوصاً وأن الـ24 صاحب فخامة لا يساومون على مصالحهم الحزبية. وخصوصاً أنهم ينتمون الى أحزاب شتى لا تلتقي إلا على أمر واحد هو عدم الاستقالة من الحكومة. لأن الجميع يدرك بأن الاستقالة تعني خراب البصرة.

والفراغ القائم في الرئاسة، وشبه الفراغ القائم في مجلس الوزراء، سيؤدي الى فراغ كامل في مجلس النواب، عندما يحين الاختيار بين شرين: التمديد أو الانتخاب.

التمديد في حد ذاته تكرار لمخالفة الدستور. ومع ذلك فثمة استحالة في إقراره لأسباب عدة. فهو أولاً يحتاج الى دورة عادية، وإلى إحالة من الرئيس الغائب، أو نوابه الأربع والعشرين وزيراً لا ينقصون واحداً، فكيف إذا كانوا وزراء عون الثلاثة وما قد يضاف إليهم من وزراء يرون أن حل الأزمة الدستورية في البلاد تحتاج الى مجلس نيابي جديد، يضم كتلاً نيابية جديدة بالحجم.

أما الانتخاب فإنه يواجه عُقداً أكثر تعقيداً من التمديد الصعب، وربما المستحيل. فبين أصحاب الفخامة الأربع وعشرين وزيراً عدد لا يستهان به من الوزراء لا يناسب مرجعياته إجراء الانتخابات وفق قانون الستين النافذ. بعد أن تأكد العجز النيابي التام عن سن قانون جديد… وهكذا لا يبقى في الميدان غير حديدان، الذي سينط في صناديق الاقتراع إذا قبل النجارون الكبار بتنجير الصناديق والقبول بخوازيق نتائج «قانون الستين» التي تتخوف قوى 8 آذار من مفاجآتها، هذه المواقف ستؤدي طبعاً الى عدم توافق مجلس الوزراء على اصدار مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وبالتالي، استحالة إجراء الانتخابات النيابية.

إذاً، وفق النصوص الدستورية، لا تمديد ولا انتخابات.

لكن الرئيس نبيه بري لن يستسلم للعقد الدستورية، ولن يقبل أن يكون مصير قصر عين التينة كمصير قصر بعبدا. وقد يلجأ لإنقاذ مملكته من الانهيار، الى قاعدة «الظروف القاهرة»، التي من خلالها يمكنه إيجاد أكثر من طريقة للتمديد، تحت شعار «الضرورات تبيح المحظورات». فغالباً ما كان الدستور «يغني على ليلى» الأستاذ.

وسط ضياع المؤسسات، وفي ظل تخبط دستوري غير مسبوق. يضيف العماد عون خبطة دستورية تنحرف بأزمات لبنان الحقيقية الى أزمة وهمية، رغم أنها تؤدي الى حل كل الأزمات. فقد دعا رئيس التيار الوطني الحر الى انتخاب الرئيس على مرحلتين، الأولى طائفية محصورة بالمسيحيين تتم فيها التصفية على مرشحين اثنين للرئاسة، يدخلان سباق المرحلة الثانية على مستوى الوطن.

رغم أن المبادرة البرتقالية ماتت في مهدها، لأن فكرتها تقلب الكيان اللبناني وميثاقه وطائفه ودستوره. إلا أن دلالاتها مهمة. فهي تشير الى أن عون وصل الى قناعة بأن وصوله الى الرئاسة بات مستحيلاً بعد أن فشل في جذب أصوات تيار المستقبل، ولأنه متمسك بحلمه الرئاسي ألقى بمبادرة انتخاب المرحلتين معتبراً أن قوته المسيحية تتضمن وصوله مع نده سمير جعجع الى المرحلة الثانية، التي يضمنها من خلال حصوله على ما يشبه الاجماع في الصوت الشيعي يضاف إليه رصيده المسيحي وما يفر من أصوات سنية من قبضة الرئيس الحريري، وأصوات درزية من قبضة وليد جنبلاط.

إلا أن ثقل الحجر الذي رماه العماد سرعان ما استقر في مياه الانتخابات الراكدة، ليعود الفراغ سيد الموقف ولأجل غير معلوم.

في هذه الأجواء الغارقة في الأوجاع الشعبية وعدم إكتراث الطاقم السياسي، يكون لبنان مقبلاً على أيام سوداء انقطع فيها الحوار بين القيادات، وتنقطع فيها الكهرباء وتهدد بالمزيد، وينقطع فيها الماء عن اللبنانيين… مع بروز خطر أن تنقطع فيها الرواتب عن الموظفين، مع احتمال أن ينقطع حيل الأمن في مواجهة الإرهابيين.

ولن ينقذ السياحة في لبنان تصريح لوزير الداخلية عن صحوة الأمن. ولن ينقذ اللبناني من الحاجة إمتلاء صناديق المصارف بالودائع. ولن تنقذ خزينة الدولة سلسلة من الضرائب الإضافية، وبالذات «المضافة» منها.

لكن ليبقى لبنان مدى الأزمان، كما يقول نشيده الوطني، عليه أن يعتمد على نشيد فيروز «بلكي بيصحى الضمير»… والضمير هنا عائد لأهل السياسة وزعماء الطوائف، الذين تشكو ضمائرهم من «ثقل النوم»، والتي لم توقظها إلى الآن لا أحزمة داعش الناسفة، ولا سيارات القاعدة المفخخة.