سيرين عبد النور: أريد أن أقود تظاهرة لانتخاب رئيس

أدعم الجيش اللبناني أطالب بحق المرأة منح الجنسية لأطفالها

أدعم الجيش اللبناني وأطالب بحق المرأة منح الجنسية لأطفالها

عبد الرحمن سلام:

مشوارها الفني بدأته بالعمل كـ”عارضة أزياء” في العام 1993، وهي في الـ16 من عمرها.  وبسبب أناقتها وجمالها، كان من البديهي أن تحقق الشهرة والنجاح في مجال عروض الازياء، قبل ان تتجه الى التمثيل، بعد أن اكتشفها الكاتب التلفزيوني اللبناني شكري انيس فاخوري الذي وضعها على أول درجات التألق والنجاح في عالم المسلسلات الدرامية، حيث قدمها لأول مرة، كممثلة، ولتتابع، في مجموعة من المسلسلات، منها “ماريانا” و”غداً يوم آخر” وسواهما، قبل أن تحصل على أول بطولة درامية في مسلسل “ابنتي” (2003) وعن دورها فيه، فازت بجائزة “الموريكس دور” كأفضل ممثلة.

ومنذ تلك الجائزة، بدأت سيرين عبد النور رحلتها مع التألق والنجاح، فخاضت أولى تجاربها في السينما، عبر فيلم “السجينة” (2007) الذي فتح لها أبواب الستوديوات على مصراعيها، وأول الغيث كان بطولتها لفيلم “رمضان مبروك ابو العلمين حمودة” امام النجم الكوميدي محمد هنيدي، ولتصبح، على أثره، الممثلة اللبنانية المطلوبة بشدة لسلسلة أفلام، ومسلسلات تلفزيونية، منها: مسلسل “الأدهم” من بطولتها مع النجم احمد عز، ثم “دخان بلا نار”، وفيلم “المسافر” الذي شاركت فيه النجم العالمي عمر الشريف دور البطولة، ومسلسلات “غريبة” و”شهرزاد” و”سارة”… وسواها.

وإلى جانب التمثيل، تميزت نجمة الحوار سيرين عبد النور في مجال الغناء، وكانت قد شقت طريقها في هذا المجال، بعد مرور عام واحد على قيامها ببطولة مسلسل “ابنتي” (2003)، حيث كان اللقاء بالموزع الموسيقي اللبناني جو باروجيان الذي اكتشف فيها قدرات غنائية ـ صوتية ـ أدائية، فقدمها الى زميله الملحن جان صليبا الذي، وبحسب صفته الانتاجية ـ الفنية في شركة “روتانا” للانتاج والتوزيع، (يومذاك) قدمها الى الشركة المذكورة التي اصدرت لها أولى ألبوماتها الغنائية “ليلة من الليالي” الذي حالفه النجاح الكبير، ما دفع بالشركة المنتجة الى استلحاقه بآخر حمل عنوان “عليك عيوني” (2006) وبثالث بعنوان “ليالي الحب” (2009).

■ نبدأ من محطة شكلت لك “علامة مضيئة” في مسيرتك الفنية ـ الانسانية… أقصد برنامج “بلا حدود” الذي يندرج تحت مسمى “تلفزيون الواقع”؟

– بحسب ما كتب ونشر، وتداولته مختلف وسائل الاعلام، وأجمع عليه الرأي العام، واستناداً الى ما تبيّن لي، خلال العمل، وبعد المشاهدة، فإن “بلا حدود” دخل  الى صلب حياتي الانسانية، وسلط الأضواء على أدق تفاصيلها، كما أضاء على شخصيتي وعرّف بها، بعيداً عن “ماكياج” الأدوار وسيناريوات السينما والمسلسلات، وبالتالي، أبرز، ببساطة متناهية، الوجه الحقيقي والانساني لسيرين عبد النور… مع اصدقائها. ومع معارفها… وبمثل ما كشف عن مخاوفها، ونقاط ضعفها، وقوتها، وردات فعلها، هذا الى جانب احاسيسها: ضحكها ومرحها حيناً… غضبها وتوترها وحزنها… وتأثرها، وأحياناً دموعها… كل ذلك تم من خلال الدخول الى ادق تفاصيل حياتها اليومية، ومنها لقاءاتها وأنشطتها الاجتماعية والترفيهية والمهنية.

وتعلق سيرين عبد النور: وربما تكون النقاط الأبرز التي اضاء عليها “بلا حدود”، متابعتي لأشخاص من ذوي الأوضاع الخاصة (اجتماعياً وانسانياً)، ومن هؤلاء: المدمنين، والمتطرفين، والمشردين، والمعنفين، والمعنفات أو اللواتي تعرّضن للاغتصاب او الترهيب.

وتشرح سيرين: وأمام مشاكل كل هذه العينات البشرية، والآفات المستشرية في كثير من المواقع والبلدان، كان عليّ المبادرة في كل يوم لـ”مؤانسة حزين” او مساعدة محتاج، أو لرسم الابتسامة على وجه انسان… اي انسان يحتاج الى الابتسامة… من لبنان الى مصر، فالأردن، وصولاً الى اوروبا… فكنت “اشجّع” هنا و”أرشد” هناك، و”أقدم العون” والمساعدة لمدمنين من خلال حثهم وتشجيعهم على الدخول الى دور العلاج.

■ من خلال متابعتنا الحلقات “بلا حدود” رأينا أن دورك شمل كذلك بعض المخيمات؟

– صحيح، حيث تواجدت في مرات عدة داخل بعض مخيمات اللاجئين السوريين، في لبنان والأردن، لأقدم لهم بعض المساعدات الغذائية أو السكنية، ومنها ما يختص ببناء غرف ايواء لوالدين مع اولادهما، وفي المحصلة، نجحت في اطلاق “عريضة المليون” التي حملت مليون توقيع، من اجل حث الحكومات العربية على المباشرة فوراً بوضع القوانين والتشريعات والسياسات ضد تعنيف النساء.

■ وماذا عن حياتك كزوجة؟ وهل من دور لعبه زوجك في حياتك الفنية؟

– منذ اتخاذي لقرار العمل الفني، عاهدت نفسي على الفصل بين حياتي الزوجية وحياتي المهنية… فأنا على قناعة تامة بأنني احتاج الى قضاء حياتي مع شخص (زوج) يجردني من الشهرة والنجومية اللتين أرى فيهما مجداً باطلاً. فالمشاعر الانسانية، والمنزل الزوجي، والعائلة، أكثر أهمية، في رأيي، من أي شيء، وهي التي تدوم… وزوجي، يدعم كل المواقف التي اتخذتها، كما أتشاور معه في كل جديد.

■ حتى لو تم وضعك أمام خيار “البيت والزوج والأمومة” أو “الأضواء والشهرة والنجومية”؟

– سأختار بالتأكيد الخيار الأول، وأنا مستعدة للتخلي عن كل مكتسبات الأضواء… لا أخفي سراً ان اعلنت انني مستعدة لمثل هذا القرار… اليوم قبل غداً… ولا أبالغ ان ذكرت بأن هذه القناعة نابعة من تصالحي مع ذاتي. تماماً بمثل اقتناعي بتصالحي مع فكرة التقدم في العمر.

■ موضوع التقدم في العمر، ألا يثير “شكوكك” في المستقبل؟

– على الاطلاق. ان ما يثير “دهشتي” هو خوف بعض الاشخاص من الاعتراف بحقيقة اعمارهم، أو محاولة تجنبهم لواقع أن هذا الأمر من مسلمات سنّة الحياة، وأننا جميعنا، سنبلغ العمر المتقدم ذات يوم، بإذن الله.

■ كيف ترين سيرين عبد النور، نجمة السينما والتلفزيون، والمغنية ذات الشهرة نفسها بعد أعوام؟

– عندما أشعر أن النجومية والشهرة بدأتا بالانسحار، سأعود فوراً الى كنف عائلتي، مع زوجي وأولادي، وأتمنى أن أكون عندئذ، انسانة فعالة في المجتمع، فأنا أحب كثيراً الانتساب الى جمعيات خيرية، ولأن الحياة علمتني الكثير من الدروس، أتمنى أن يستفيد الآخرون من خبرتي… وفي حال قامت ممثلة مبتدئة بالاستفسار عن أمر معين، فسأكون مستعدة لتقديم خبرتي لها.

■ سيرين… هل ان زوجك يتفهم طبيعة عملك الفني والتي غالباً ما تكون سبباً للخلاف الشديد؟

– فريد هو حبيب قلبي، وهو يتفهم طبيعة عملي بذهن متفتح. ويتحمل عني الكثير من الأعباء العائلية كي يوفر لي الهدوء المهني. لقد اضطررت ـ على سبيل المثال ـ خلال تصويري لمسلسل “روبي”، السفر الى مصر لنحو شهر، وكنت قد أنجبت تاليا حديثاً، فكان يرسل لي “فيديو” عبر الهاتف، يتضمن التفاصيل اليومية عن تصرفات تاليا… ثم انه مشجعي الأول ويدفعني كثيراً للسير نحو الأمام، ولا يترك باباً يؤمن لي الراحة والانطلاق في العمل إلا ويفتحه أمامي. أنا أعتبر أن الله أنعم عليّ بوجوده الى جانبي.

■ من خلال مراجعة سيرتك الفنية، تبين لنا انك انتقلت من عالم الأزياء الى التمثيل، ومن ثم الى الغناء، وأنت اليوم تمارسين النشاطين الأخيرين. كما تبين لنا ان “الأول” يطغى بكثير على الثاني. والسؤال هو: أين الموقع المفضل لسيرين عبد النور… التمثيل ام الغناء؟

– في الدرجة الأولى، أنا ممثلة، ومسيرتي الفنية بدأت من خلال التمثيل… أما الغناء فيأتي بالمرتبة الثانية… لكن هذه التراتبية لا تعني “تفضيل” أي منهما على الآخر، فأنا مجتهدة في المجالين، ولا أنوي التخلي عن اي منهما، وإنما أسعى الى النجاح فيهما معاً.

■ لكن حضورك في الدراما التلفزيونية، وفي السينما، أقوى بكثير، ما فسره البعض على انه “بداية انسحاب من الغناء الاحترافي”. وان وجودك “الغنائي” ربما سيقتصر على السينما في حال تقديمك لدور يتطلب الغناء، وكما حدث في فيلم “رمضان مبروك ابو العلمين حمودة”؟

– أنا أعتبر أنه من الصعوبة بمكان، في هذا الزمن، وفي الواقع الفني الذي أعيشه، ان أجمع بين الأمرين بالتساوي، لأنهما يحتاجان الى جهد كبير، وأنا سأجد صعوبة كبيرة من أجل تحقيقه. لكن، وبرغم انشغالي بالتمثيل، لم أترك الغناء. فأنا أتحضر حالياً لطرح اغنتين، الأولى بعنوان “عادي”، كتبها ولحنها الفنان الصديق مروان خوري، وهذه مناسبة لأبارك له نجاحه في انتخابات نقابة الموسيقيين المحترفين وفوزه بمنصب النقيب، كما أدعو له بالنجاح في تأمين مصالح النقابة بكامل أفرادها ومن دون أن يؤثر عمله الجديد في عطائه الفني. أما الاغنية الثانية، فهي للشاعر ـ الملحن سليم عساف، وربما تبصر النور اوائل الصيف المقبل.

وتكشف عبد النور أن أغنية “عادي” ستصور بطريقة الفيديو كليب تحت ادارة المخرج جاد شويري، وسيكون عبارة عن “فيلم قصير” يتضمن بعض الخدع الجميلة.

■ انه التعاون الأول لك مع المخرج جاد شويري في مجال الفيديو كليب؟

– صحيح… هي المرة الأولى، وهو ارادني أن أركز في هذا الكليب على الجانب التمثيلي.

■ سيرين… لغط كبير في الوسط الفني والاعلامي حدث، على اثر قرار منتج فيلم “سوء تفاهم” بإلغاء العرض الخاص الذي كان مقرراً اقامته يوم الاربعاء الموافق 12/2/2015 في مصر، حيث تم الاكتفاء بـ”دعوة” لأهل الصحافة (فقط) في يوم لاحق لم يتم تحديده بعد. فما هي حقيقة الأمر؟ ولماذا ألغي الحفل الخاص؟ وهل صحيح أن “سوء تفاهم” حدث، ولم يرغب أي طرف انتاجي ـ فني الاعلان عنه؟

– على الاطلاق… كل ما في الأمر أن المنتج صادق الصباح، تحمّل مسؤولية اعلان الأمر، وذلك انطلاقاً من واجب انساني، هو الحداد على أرواح ضحايا مباراة كرة القدم التي أقيمت بإستاد “نادي الدفاع الجوي”… هذا بكل بساطة، وصدق، سبب التأجيل، ولا أعلم لماذا يحاول البعض “تشويه” هذا “التأجيل النبيل بأهدافه”.

■ ما جديد سيرين عبد النور الدرامي ـ السينمائي في المرحلة الراهنة؟

– في الحقيقة هناك جديد درامي تلفزيوني وآخر سينمائي… الأول باشرنا بتصويره منذ فترة، وهو مسلسل تلفزيوني بعنوان “24 قيراط”، مقرر عرضه في شهر رمضان 2015، ويشارك معي في لعب ادواره الرئيسية الممثل عابد فهد والزميلة ماغي بوغصن، اضافة الى عدد كبير من نجوم التمثيل من لبنان. أما الثاني، فهو عمل سينمائي، يدور في قالب من “الرومانسية الشقية” المغلفة بطرافة المواقف والحوارات، ويضم توليفة خاصة من ممثلين من مصر ولبنان.

■ مثل مَن؟

– من مصر، النجمان شريف سلامة وأحمد السعدني وسواهما.

■ وماذا عن بقية طاقم العمل؟

– السيناريو للكاتب محمد ناير، والاخراج لأحمد سمير فرح، والانتاج لبناني تتولاه شركتا “ايغل فيلمز” (المنتج جمال سنان) و”سيدرز آرت” (المنتجان صادق وعلي الصباح).

وتؤكد سيرين عبد النور ان للتجربة السينمائية الجديدة “رهبتها”، وأنها سعيدة بها، وأنها شهدت أجواء جميلة وودودة جداً خلال مراحل التصوير. كما تلفت ان دورها فيه، منحها فرصة احتفاظها باللهجة اللبنانية، الأمر الذي تراه تحدياً كبيراً، وانجازاً، في مخاطبة الجمهور المصري بغير لهجته التي اعتاد عليها منذ سنوات بعيدة جداً.

■ سيرين… هل تعتبرين ان اسمك بات كافياً لتحقيق نسب المشاهدة المرتفعة؟ بمعنى: هل أصبحت “نجمة شباك”؟

– مثل هذه التسميات ارفضها… وأرفض معها تعبير “الأعلى أجراً” و”الأكثر جماهيرية” و”الأكثر نجومية”، وكلها أوصاف يطلقها البعض على نجوم في التمثيل والغناء… أنا أرى ان الممثلين جميعهم موجودون، ولديهم الطموح، وأن الساحة قادرة على استيعاب كل ناجح وناجحة، خصوصاً وان العمل الفني المتكامل والجميل هو الذي يفرض نفسه، ويحقق نسب المشاهدة المرتفعة. ومثل هذه التعابير التي يرددها البعض، أراها “بدعة” دخيلة، ولم تكن موجودة في السينما ولا في عالم الغناء، رغم حضور كبار الممثلين والمطربين في زمن الفن الجميل.

■ سؤال أخير، وبعيد عن الفن واشكالاته: ماذا عن زيارتك وزوجك، لرئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وزوجته النائب ستريدا في معراب، لا سيما وانك نشرت صوراً عن هذا اللقاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ حيث اعتبره الكثيرون موقفاً سياسياً؟

– بداية، أشير الى أن زوجي هو من منطقة “بشرّي”، مسقط رأس الدكتور جعجع. والزيارة كانت تلبية لدعوة، وقد كتبت موضحة على “تويتر”: شكراً على الدعوة دكتور سمير جعجع… تشرفنا… الله يحميكم ويحمي لبنان… وبدوره، رد الدكتور جعجع “مغرداً” ومعبراً عن سعادته بالزيارة: “دائماً، من دواعي سروري أن ألتقي بكم”.

■ لكن البعض فسّر الزيارة على أنها موقفاً سياسياً مؤيداً لطرف ضد آخر؟

– “فهمي” للسياسة يختلف كثيراً عن “فهم” الآخرين لها، ولو قدر لي أن أقود اليوم تظاهرة في الشارع، لما ترددت، إذا كان الهدف منها الحث على انتخاب رئيس للبلاد. أو لدعم حق المرأة بمنح الجنسية لأطفالها. أو لمساندة الجيش اللبناني البطل في كل مواقفه التي تحمينا كشعب وكوطن. السياسة، في مفهومي، هي لتحقيق لبنان السيد، الحر، والمستقل… لبنان الذي يؤمن المساواة في الحقوق والواجبات لكل أبنائه، وعلى مختلف الصعد الوطنية والسياسية والاجتماعية. لبنان الذي يأمن فيه اللبنانيون لمستقبل أبنائهم، ومن يرفع هذه العناوين، ويعمل على تحقيقها، أرفع رايته من دون خوف أو خجل.

“نأي بالنفس” … عن واقع لبنان

الرئيس تمام سلام في القمة العربية

الرئيس تمام سلام في القمة العربية

فقدت الجغرافيا دورها، ولم تعد الحدود تفصل بين الدول العربية، بعد أن نجحت العواصف المسلحة في التنقل بحرية من دولة إلى أخرى.

وسط هذا الاشتعال الجماعي، يخدع لبنان الرسمي نفسه بتمسكه بسياسة “النأي بالنفس”، في حين أنه غارق في مستنقع الحرب السورية التي امتد حريقها إلى أطراف جروده البقاعية، بشراكة الدم التي يتباهى بها “حزب الله” مع النظام السوري.

وها هو لبنان البعيد عن اليمن، يقترب من صنعاء وإن طال السفر.  ففي سابقة لم تسجّل على السيد حسن نصرالله، خصّ أحداث اليمن بإطلالة تلفزيونية مفاجئة، هاجم فيها دول الخليج، مركّزاً على السعودية.

وهكذا فجأة أضيف إلى الانقسامات اللبنانية إنقسام جديد، يثبت أن نأي الحكومة بنفسها، هو بالفعل نأي عن الواقع اللبناني، المتورط بكل أفرقائه في أحداث قريبة وبعيدة، يفترض نظرياً أن لا ناقة للبنان فيها ولا جمل.  ولكن في واقع الأمر أن للبنان أكثر من ناقة وجمل في قوافل الجمال والنوق المحمّلة بالتطرف والدمار والقتل سواء في سوريا أو في اليمن أو في العراق.  ولا ندري متى يكون لليبيا نصيب في الانقسامات اللبنانية؟

وسياسة “النأي بالنفس” فرضت على حكومتنا أن تكون مع الشيء وضده.  فالرئيس تمام سلام أيّد في قمة شرم الشيخ الأخيرة قرارات القمة الداعمة لـ”عاصفة الحزم” في اليمن، وفي الخطاب نفسه رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

لا يمكن اعتبار الموقف الرسمي اللبناني الـ”مع” والـ”ضد” في آن، موقفاً متناقضاً، لأنه في الحقيقة موقف ينسجم مع سياسة الضرورة اللبنانية، التي تقتضي إزدواجية المواقف إرضاء لهذا الفريق وذاك الفريق.  وإلا فإن الانفجار الحكومي واقع لا محالة، مما يهدد بتحويل البلاد إلى ورقة تتطاير في مهب الفراغ الشامل.

لهذا يستحق الرئيس سلام الشكر على كلمته في القمة، التي تفادى بازدواجية مواقفها، نقل الصراع اليمني إلى السرايا.

وكما لا يمكن إخفاء الشمس بالغربال، لا يمكن إخفاء تورط لبنان في حروب المنطقة الآخذة بالتحول إلى حروب سنية – شيعية، بعد أن غيّب الفكر القومي، وبعد أن أصبح الصراع بين ابن تيمية والجعفر الصادق … حتى لو أنكرنا ذلك.

وإذا كانت الأحداث السورية قد تمكّنت إلى حد ما من تغطية الصراع المذهبي بعروبة النظام وشعار مقاومة إسرائيل، فإن اليمن كشف بشكل صريح عن أن الصراع فارسي – عربي … سني – شيعي.  وبذلك نستطيع القول: رحم الله العروبة التي جمعتنا ذات زمن.

سامر الحسيني

حديث الشارع: ريجيم القرف

يخضع اللبنانيون لـ«ريجيم القرف».

والفضل طبعاً للوزير وائل أبو فاعور وشاشات تلفزيوناتنا.

رأينا ما يقطع الشهية. واكتشفنا أننا نأكل فضلات طعام القطط والجرذان والفئران والصراصير والذباب، فهي تسبقنا في تذوق مآكلنا إذ أنها تسرح وتمرح في مطابخ المطاعم وفي مستودعات الأغذية، بالاضافة الى أواني الطبخ والحفظ التي أكلها الصدأ.

ورغم كل هذا القرف فإن الجوع يجعلنا نغض البصر عن لوائح الوزير أبو فاعور المذيلة بجملة «غير مطابق للمواصفات».

سندخل المطاعم… وسنشتري اللحوم والأسماك ومنتوجات الحليب… وسنتكل على الله والحظ لحفظنا من التسمم.

«شوارعي»

 

قهوجيات: وبالوالدين إحساناً

تشكو المجتمعات في عصرنا الحديث من التفكك العائلي، وعدم الاعتناء والانتباه للكبار في السن، لذلك كَثُرَت وتعدّدت الملاجئ ودور العجزة والمصحَّات وما يُسمى “بيوت الراحة”. فما أن يبلغ الشخص سن الشيخوخة حتى يشعر بإهمال الآخرين له وعزوفهم عن التعاطي معه فيصاب بحالة انعزالية ووحدة مريرة، فيلجأ إلى تلك البيوت أو يأخذونه إليها كأحد الحلول الحياتية التي تؤمّن له – بشكل أو بآخر – بقية عمره وقضائه في أرجائها.

ولقد عانت بعض الدول العربية – وما زالت – من هذه الحالة جراء أسباب متعددة قد لا يكون انفراط العقد العائلي – فقط – أحد أسبابها.

كذلك فقد قاست دول شرقية كبيرة من هذا الأمر حين أصبح البعد شاسعاً بين الأبناء وآبائهم وأمهاتهم وتلكوء الأبناء عن الاعتناء والانتباه لكبارهم في السن لفقدانهم القدرة الجسدية أو لدرجة الوعي على التعامل مع متطلبات الحياة، مما جعل بلداً كبيراً كالصين أن تُصدر قانوناً يجبر الأبناء والبنات على زيارة والديهم بانتظام والمحافظة على مستوى من التواصل معهما.

وذكرت وسائل اعلام صينيَّة أن القانون الجديد، الذي دخل حيِّز التنفيذ يُحظِّر إهمال “الحاجات الروحية” للأشخاص المتقدمين في السن، بعدما كانت القوانين السابقة تَفرض على الأبناء والبنات الاهتمام بالحاجات المادية للوالدين فحسب.

وبموجب القانون الجديد يتعيَّن على أفراد العائلة الذين لا يقيمون مع الوالدين البالغ عمرهما أكثر من ستين سنة أن يزوروهما في شكل منتظم والتواصل معهما بصورة متكررة. وأجبر القانون حتى هؤلاء الذين يعملون في مناطق بعيدة عن منازلهم أن يتقيّدوا وينفّذوا هذا القانون، وفي حال عدم الالتزام يحق للوالدين طلب وساطة أو رفع قضيّة أمام المحكمة! ولقد صَوَّتَ مؤتمر الشعب الوطني لمصلحة القانون.

ورغم تجذُّر احترام المسنِّين في الحضارة “الصينيّة”، إلاَّ أنَّ العقود الماضية التي شهدت تحولات اقتصادية ضخمة أدَّت إلى تصدَّع تلك الصورة مع تراجع عدد الأبناء الذين يحافظون على الروابط الأسرية مع ذويهم. وعندما تكون الدولة غير قادرة على تأدية الخدمات الواجبة للمواطنين، تتكاثر فيها الجمعيات الخيرية ونوادي المساعدات التي تفتح أبوابها وتقوم بنشاطات متعددة للحصول على الهبات والتبرعات من قبل أهل الخير والإحسان.

ومهما علا مستوى تلك المؤسسات خدماتياً، فإنها لا تستطيع تعويض النزلاء عن العاطفة التي حُرِموا منها وعن حميمية التواصل بين الأبناء والآباء، إذ لا يكفي زيارتهم في المناسبات والأعياد وما إلى ذلك فهم بحاجة إلى الدفء الإنساني والحنان الذي يخفف من عزلتهم ووحدتهم حتى لا أقول يأسهم من الحياة.

فالعاطفة لا تُفرض بقانون ولا بروادع مادية، والرقَّة والحنان والألفة لا تخضع لقرارات حكومية، فهي تُولد مع الإنسان وتنمو بالوعي والإيمان والتربية السليمة والسلوك الصحيح.

غازي قهوجي

kahwaji.ghazi@yahoo.com

نورا مرعي: أخوض الشعر والرواية والنقد بمقبض الطموح

الشاعرة اللبنانية نورا مرعي

الشاعرة اللبنانية نورا مرعي

غادة علي كلش:

المتابع لنهج الدكتورة الشابة اللبنانية نورا مرعي في التأليف الشعري والروائي والبحثي تستوقفه هذه البنية الإنتاجية الثلاثية الأطراف، فكل طرف يعادل بعمقه وجمالية أسلوبه الطرفين الآخرين، فما هو سرّ هذه السواسية المتميزة في كتابة البحث والشعر والرواية، وماذا عن روايتها الجديدة “ستحبينني يوما”؟

تقول نورا: كل طلقة لا تصيب لا تساوي شيئًا، وتلك المعادلة الصّعبة رأيتها من خلال ثلاثيتي في الشّعر والبحث والرّواية، لكل طرف من هذه الأطراف طلقته الّتي أصابت في مكان، وأدّت إلى شيء في مكان آخر، فلكل مجال طريقته الخاصة ودربه الّذي سرت عليه كي أحقّق ما أصبو إليه في التّعبير والكتابة وإنتاج ما سيصل إلى الجميع. بالنّسبة إلى مجال البحث الأكاديمي، فهو يتعلّق برغبتي في تحقيق حلمي في أن أكون متخصصة بمجال الأدب العربي لا سيما الرّمز في الشّعر العربي الحديث، وهذا الدّرب ساعدني، بل سهّل عليّ الدّخول إلى عالم الشّعر والتّعمق في ثناياه، وكان لي رؤاي الخاصة وكتاباتي في هذا المجال، بالإضافة إلى ما أقوم بكتابته يوميًّا والّذي صار يحمل طابعًا مغايرًا، ويميل حينًا إلى الغموض وحينًا آخر إلى السّهولة… أمّا مجال الرّواية، فذلك عالم آخر، من خلاله تمكّنت من الكتابة عن تلك الخلجات الدّاخلية والانكسارات المتكررة الّتي رغبت في أن تكون موضوعاتي، والّتي تجلّت منذ الرّواية الأولى ” هذا هو قدري”، والّتي كان موضوعها مختلفًا عن رواية ” ستحبينني يومًا” الّتي ولجت فيها عالم الحب الافتراضي والالكتروني، لأعالج موضوعًا كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة.

■ روايتك الجديدة “ستحبينني يومًا” تخوض في الحالة الإنعكاسية الجديدة لعالم التواصل الإلكتروني ولمفرداته النفسية والعاطفية والإجتماعية المريبة أحيانا، وتمتلك مفاتيح السرد الراقي والتصوير الوافي. هل يمكن القول إنّ عملك الروائي هذا هو المكشاف العميق لسريّة إجتماعية جديدة مستمدة من شبكة هذا التواصل ومن الفيس بوك تحديدا؟

– لا يمكن اعتبار أعمالي في مجال كتابة الرواية على أساس أنّها مستمدة من عالم الفيس بوك على الرّغم من تداخل بعض التّفاصيل مع هذا العالم الّذي شكّل نقلة نوعية على صعيد الاتصالات وإزالة الحواجز؛ ولكن عالم الرّواية يظلُّ المجال الرّحب لبثّ الأفكار والإضاءة على فلسفة المؤلف وعلى نظرته إلى الحياة وإلى قضايا الإنسان كما يفهمها وكما يريد للقارئ أن يقتنع بها! كلّ ذلك يجري على لسان أبطال الرّواية وعبر سلوكهم وحواراتهم ؛ من دون أن يكون المؤلف واضحَ الحضور في نسيج الرّواية.

■ أين يمكننا أن نتلمس تأثير الفيس بوك في روايتك (ستحبينني يوما)؟

– في فضاء الفيس بوك، الكثير من الأسرار الّتي صار يعيشها الجميع، وأسمع عنها في كلّ جلسة، ونتكلم بها في كلّ مكان…. وفكرة تلك الرّواية بالذّات استمدها خيالي في لحظة كنت أتكلم بهذا الموضوع مع صديقة لي تعرّضت لخيبة عشقية بسبب تلك المواقع، إذ لم تتمكن من كشف حقيقة حبيبها الّذي كان متزوّجًا إلا بعدما وقعت في فخ الحبّ… وكان أن فتح الحوار معها بابًا خياليًّا، فبدأت بسرد أحداثها، منها ما كان واقعيًّا ومنها ما كان غير واقعيّ، وفي الأحوال كلّها تمكّنت من نقل موضوع صار لا بدّ من إلقاء الضّوء عليه… حتّى لا يتبخّر فوق جدار السّراب… وحتّى يكون لهذا الصّراع الجديد في هذا العالم وجودٌ نبشّر به ونحاول إرشاد النّاس إلى ضرورة الانتباه في ظلّ عالم متحرّر، ومتفكّك في آنٍ معًا… والصّراع الّذي ولد في تلك الرّواية بين الحبّ والأخلاق، وبين بدايات العشق ونهاياته، هو صراع قاتل واقعي يعايشه الجميع، بحيث يصل كل إنسان إلى الضّياع إن لم يتمكّن من وضع النّقاط على الحروف، كي تغلب كفّة الأخلاق على سواها.

■ تقاربين في كتاباتك دلالات الغدروالألم في الحب،  والصبر في الكفاح، والتفوق في العلم. وهي دلالات موجودة في مرتكزاتنا. ما هوالصدى الذي يلاقيه قلمك عند المتلقي في مجتمعنا العربي؟

– عندما يكتب الكاتب رواية يكون ملزمًا بإتاحة الحرية لأبطالها بحيث تجري الأحداث على طبيعتها، ومهما كان موضوع الرّواية؛ فإنّها تتّخذ من الإنسان موضوعًا لها؛ وطالما أن الحديث عن الإنسان فلا بدَّ للرّواية من أن تتمحور حول عواطف الإنسان وميوله وأنماط سلوكه سواء في ذلك ما كان إيجابيًا وما كان منها سلبيًا؛ لذلك لم يكن غريبًا في أعمالي الرّوائية أن أتناول العواطف والميول الّتي أشرت َ إليها وذلك من أجل الإحاطة والموضوعية لا سيما وأن أبطال رواياتي حقيقيون؛ من هنا كان تقبّل القرّاء كثيفًا إلى درجة أنني وتلبية للإقبال سأكرّر الإصدارات طالما أن الجمهور من القرّاء يتابعني بهذا.

■ تخطى الشعر العربي منذ عقود الشعر الكلاسيكي، وانصهر في الشعر الحديث. ماذا عن الرواية العربية، فاليوم ثمة تقنيات حديثة في روايات الغرب،هل نجح الروائي العربي في مجاراتها برأيك؟

– اسمحي لي، وقبل أن أجيبك على سؤالكَ، بأن أوضّح فكرة ظلّت في نطاق التّداول منذ بداية القرن الماضي عن مفهوم الكلاسيكية، حيث يجري التّعاطي معها على أساس أنّها تمثّل القديم والأصيل، والصّحيح أنّ الكلاسيكية ترتكز إلى العقل وتتخذ موضوعاتها من الماضي. لذا، فإنّ النّتاج الشّعري العربي ومنذ القديم؛ لم يعرف الكلاسيكية كما عرفها الغرب بحيث ظلّ شعرنا غنائيًا وذاتيًا بمعنى آخر ظل أبعد ما يكون عن إنتاج المسرحية والملاحم والرّوايات، لذلك سنظل نلهث للحاق بالغرب وخاضعين لقوانينه النّقدية في كلّ مرة نريد أن نكتب ملحمة أو نؤلف مسرحية أو أن نكتب رواية، وقد توصل الكثير من كتاب الرواية عندنا إلى، ليس مجرد اللّحاق بالغرب، إنّما تجاوزه نحو الأحسن.

■ ما هو السبب أو الأسباب التي أوصلتنا الى هذا الوضع؟

– كانت قسوة البيئة وعدم استقرارها في جزيرة العرب تذكي حرارة المنافسة بين الشّعراء وتدفعهم للانكماش والتّقوقع حول الذّات، وكان التّكسّب بالشّعرعاملاً إضافيًا يميل بالشّاعر صوب ذاته ومن ثمّ يألفها ولا يرى لها مثيلاً لذلك، وربّما لأسباب أخرى صار شعرنا كما ترى ذاتيًا بمعظمه ما خلا بعض الشّوارد عند البحتري وبعض الأبيات الّتي ذهبت مذهب المثل عند المتنبي وغيره أمثال أبي العلاء المعري وابن الرومي.

■ هل تختصرالقصيدة التي تكتبينها روايتك. وهل تفيض روايتك بكل مااختصرته القصيدة. أم أنّ لديك ميكانيكية خاصة تفصل بين النتاجين على صعيد الغاية والخلاصة؟

– ما يصح في بناء الرواية لا يصحّ بالضّرورة في عالم الشّعر بالمطلق؛ وذلك أن الرّواية عمل كلاسيكي يرتكز إلى العقل، وربّما غلب على الكتابة مناخ رومنسي خلال الحوارات المنولوجات أو ما يقوله الرّاوي؛ فستظل الرواية محسوبة على الكلاسيكية وسيظلّ ارتباطها بالعقل وثيقًا. أمّا في حالات الشّعر فالأمر مختلف جدًا حيث يميل الشّعر إلى الغموض والرّواية تنزع إلى الوضوح؛ في عالم الرّواية عليّ أن اتوارى وراء الأحداث، أما وأنا مأخوذة بالشّعر فإني أصير أكثر التصاقًا بذاتي، في الرّواية يكون الآخرون وفي الشّعر أكون أنا.

■ هل أثرت بيئتك الثقافية والاجتماعية في ثقافتك العلمية والأدبية ، أم كان لمكوّنك الشخصي فرادة في درب الشّعر والأدب والفكر؟

– لقد كنت منذ الصّغر عاشقة الكتاب وعاشقة القراءة وتمكّنت من تكوين شخصية سارت في متون الكتب بمفردها أولاً وبدعم من أساتذتي لاحقًا، هذا كلّه أسهم في صقل شخصيتي الثّقافية والعلمية والأدبية. فقراءة جبران خليل جبران ومصطفى لطفي المنفلوطي وطه حسين وغيرهم… ومن ثم الانتقال إلى عالم الشّعر من خلال قراءة المتنبّي ونزار قبّاني ونازك الملائكة والسيّاب وأدونيس ودرويش وحاوي وغيرهم من الشّعراء الّذين تركوا أثرهم الخاص في كتاباتي وفي تحوّل كتاباتي من مجرد خواطر عادية إلى بنى متكاملة، عمدتها الغموض والإيحاء والرّمز. لذا، لا يمكن اعتبار أنّ عاملاً واحدًا هو الأساس في التأثير بكتاباتي، إنّما مجموعة عوامل أسهمت في ذلك، ولا يمكن أن ننسى أن الشّاعر ابن بيئته وبالتّالي فمن الطّبيعي أن يتأثر ببيئته الاجتماعية والثّقافية أيضًا.

حروب سلام: حكومة صامدة على جبهات التعطيل والإرهاب

الرئيس تمام سلام

الرئيس تمام سلام

كتب المحرر السياسي:

بعد أن فشل «الإضراب» الحكومي في فرض الآلية الدستورية على عمل مجلس الوزراء، فك «الإضراب» باعتماد آلية «عالوعد يا كمون».

وهكذا يعود مبدأ الإجماع ليقود غرفة عمليات مجلس الوزراء، مع وعد من الفرقاء بعدم التعطيل، وبالتالي، تيسير وتسيير مصالح البلاد والعباد.

إن إقرار «التيسير والتسيير»، يعني أن ما كان متبعاً من قبل هو تعطيل المصالح العامة. وفي هذا اعتراف ضمني من قبل الوزراء باتباع سياسة النكاية والكيدية.

ويبقى السؤال المشروع:

هل سقطت فجأة مكارم الأخلاق الوطنية، أم أن وعد عدم التعطيل قدم للإلتفاف على «الإضراب» الحكومي ولإمتصاص غضب الرئيس الصابر تمام سلام؟.

من المعروف أن أفرقاء الحكم غالباً ما يأخذون بعودة حليمة الى عاداتها القديمة.

إذاً، على الرئيس سلام استغلال «الوعد» الطازج بعدم التعطيل، بأن يطرح في جلسات مجلس الوزراء المتتالية أهم البنود الخلافية، فإما أن تقر، وإما أن تفضح مبكراً الواعدين وما وعدوا به.

لا أحد يصدق أن سياسيي لبنان قادرون على التوافق. يكفي أن تتمسك بالفيتو كتلة وزارية واحدة من الكتل الست التي تشكل مجلس الوزراء (كتلة عون ـ وكتلة أمل ـ وكتلة حزب الله ـ وكتلة المستقبل ـ وكتلة الكتائب ـ وكتلة المستقلين) ليسقط الوعد، وبالتالي، ليعود مجلس الوزراء الى أجواء الجمود والتجميد.

إن «التوافق»، وفق التجارب، هو من مستحيلات السياسة اللبنانية. ولهذا يدرك اللبنانيون أنهم عاجلاً، وليس آجلاً، سيجدون حكومتهم عاجزة عن الحل والربط.

ومع ذلك فإن هذه الحكومة ستبقى عبئاً لا يمكن التخلص منه، حتى ولو كانت الفراغ الذي يملأ الفراغ. فمن دونها لا يبقى في لبنان سلطات سوى سلطة الأجهزة الأمنية… وشرطة السير.

ومن حسن حظ لبنان أن يكون الرئيس تمام سلام رئيساً لحكومة الزمن الصعب والعلاقات المتشنجة. فصبره على القرف السياسي، من أجل الحفاظ على شكل الدولة، لا يضاهيه صبر أي سياسي آخر.

صحيح أن عقدة مجلس الوزراء اللبناني، هي أكثر العقد التي تعرقل الأداء العام، إلا أن لبنان يعيش في ظروف تنبت فيها التعقيدات كالفطر… وأخطرها لم يصل بعد، وإن كانت ساعته آتية لا ريب فيها.

وسط العواصف التي تجتاح لبنان من خارجه… ووسط التموضعات والانقسامات الحادة في الداخل، يطل حوار المستقبل ـ حزب الله، كإطفائي في وطن قابل للاشتعال. لكن هل تسمح القناعات المتعاكسة لإطفائية الحوار في أن تنجح بلعب دور الإطفائي؟.

إن التناقض الكبير بين التفكيرين يرجح كفة الشك بجدوى الوصول إلى اتفاقات  قابلة للتنفيذ. فما يحصل في المنطقة يمنع لبننة الحل… وشعار «لبنان أولاً» الذي يطرحه «المستقبل» لا يمكن له أن ينتصر على استراتيجية «حزب الله» التي تتجاوز حل الأزمات اللبنانية الى حل أزمات المنطقة. وإذا كانت هذه الشعارات تبدو عامة، فإن الغوص في تفاصيلها يضع لبنان في قلب الأحداث الملتهبة من حوله الى حد الآن.

مع التطورات الميدانية في سوريا يزداد تورط الدول القريبة والبعيدة. ولا يعتقد، أي مراقب أو باحث، أن بمقدور لبنان النأي بنفسه في حين أن مروحة الدول المتورطة في الحروب الشبه أهلية في دول عربية مركزية، آخذة بالاتساع. ولو تمعّن أي محلل استراتيجي لوجد أن لبنان قد دخل الحرب السورية فعلاً. فجزء من شعبه يقاتل هناك. وجيشه يقاتل من حيث لم يقرر، الى جانب الجيش السوري ومقاتلي حزب الله في منطقة جرود عرسال. ولا يحتاج أي محلل لدلائل حول أن لبنان هو المقر الأكثر احتمالاً لأي عناصر تلحق بها هزيمة عسكرية سواء  على جبهة عكار أو جبهة عرسال. هذا الى جانب ما هو موجود من تنظيمات إسلامية متطرفة داخل لبنان أكانت خلايا نائمة أو خلايا ناشطة.

ولا يجب أن يغيب التورط اللبناني القسري اقتصادياً واجتماعياً في الأحداث السورية. فمليون ونصف المليون نازح سوري لا يشكل عبئاً اجتماعياً وإنسانياً فقط. إنه عبء اقتصادي كبير في اقتصاد هو نفسه يعاني من أمراض خطيرة، فمشاركة المليون والنصف مليون سوري للبنانيين في الماء والكهرباء والغذاء وسوق العمل، هو نتيجة لبنانية لنتائج الحرب السورية.

في جملة هذه العلاقات المتشابكة والشائكة، ولأن اللبنانيين، كالسوريين، قد انقسموا الى جبهتين، واحدة مع النظام الى حد القتال الى جانبه، وواحدة مع المعارضة الى حد تشكيل البيئة الحاضنة… وربما المقاتلة إذا اقتضت طبيعة التطورات العسكرية ذلك.

بعد كل هذا هل يمكن القول أن لبنان لم يدخل الحرب السورية بعد.

الواقع يؤكد أنه جزء منها وإن لم يعلن ذلك. ومثل هذه النتيجة تعيدنا الى الحكومة المعطلة. فالتعطيل هو تحضير لوضع اللبنانيين في حالة من الفوضى والإحباط، وبالتالي، تعميق الانقسام المذهبي الذي يجرف الفرقاء الى التعصب لهذا الفريق السوري أو ذاك. وغالباً ما يندفع المتعصب من المؤيد نظرياً الى المشارك ميدانياً… وعندئذٍ من ينقذ لبنان؟.

 

دعوة إلى الحقيقة: حماس… مقاومة أم إرهاب؟

walidحماس؟.

هل هي حركة «إرهابية» كما حَكَمَ القضاء المصري؟.

هل هي حركة مقاومة كما كانت… أو كما يشاع ويقال اليوم؟.

عندما ينقسم الرأي في التوصيف، يكون ثمة غموض في سلوك حماس، يساعد على تقديم المبررات لمن يتهمها بالإرهاب، ولمن يعتبر أن للقدس طريقاً واحداً يمر عبر حماس!.

تعالوا نتحاكم أمام الأحداث والمواقف.

كثيرة هي تلك الأحداث التي تؤكد أن حماس مقاومة حقيقية.

كان ذلك قبل أن تتحول الى سلطة تحكم غزة وتتحكم بأهلها.

وكان ذلك أيضاً قبل أن تقع في غرام خزائن قطر وتنعم بمالها… و«إملاءاتها».

بمعنى آخر حماس اليوم هي نقيض لحماس أيام زمان. والحكم هو على من تكون لا ما كانت.

لا ينكر مؤرخ عادل أنها قاومت وقامت بعمليات بطولية ضد العدو الإسرائيلي.

ولا ينكر مؤرخ عادل أنها هادنت وطاردت من يشتبه بأنه أطلق صاروخاً على هدف إسرائيلي.

منذ أن استبدت بغزة لم تتعارك مع إسرائيل، إلا إذا فرضت عليها إسرائيل القتال.

وخلال المعارك المفروضة، لم تكن حماس تترك باباً قادراً على الوصول الى هدنة إلا وطرقته. وبعد كل تسوية كانت تسارع الى إحصاءٍ مبالغٍ فيه لأعداد الشهداء والمصابين، وما تهدّم من بيوت ومؤسسات، وما هو آيل للسقوط،  لاستثماره في عروض المشاعر الإنسانية من عربية وإسلامية، وبالتالي، تحويله الى مساعدات مالية تصب في تغذية التنظيم الحمساوي وأهدافه السياسية.

يقول التاريخ أن المقاومة هي عمل مستمر ضد العدو وعمليات لا تتوقف ضد مؤسساته العسكرية والحكومية. وهذا تعريف لم تعد تعرفه حماس منذ أن تلذذت بالسلطة والتسلط.

إذاً، هي اليوم تعيش على ماضيها المقاوم. وبذلك ننصحها بإلتزام قول الشاعر «لا تقل أصلي وفصلي أبداً… إنما أصل الفتى ما قد فعل»… وحماس منذ زمن بعيد لم تبادر الى فعل ما ضد إسرائيل… وهذا يعني أنها مقاومة أحيلت على «التقاعد»، أو «المعاش» كما يقول المصريون.

هذا عن حماس والمقاومة… فماذا عن حماس والإرهاب؟.

بدأ إرهابها الداخلي مبكراً، عندما ارتكبت المجازر ضد جماعات فتح في غزة.

وتمادت في إرهابها الخارجي عندما اقتحمت سجون مصر وأخرجت قيادات الإخوان المسلمين ممهدة لهم الطريق للسطو على الثورة، ومن ثم، الحكم.

وهي أغرقت نفسها في مستنقع الإرهاب المصري بتقديم الدعم اللوجستي للتنظيمات الإرهابية في سيناء، وكذلك تحويل القطاع الى قاعدة خلفية للتدريب والإعداد.

من الطبيعي أن تنكر حماس قيامها بمثل هذا الدور. وبعيداً عن أدلة المحكمة المصرية، التي استندت إليها في حكمها على اعتبار حماس منظمة إرهابية، يبقى ثمة دليل يحكمه المنطق والواقع وهو من أين تأتي الذخيرة والأسلحة لتنظيمات سيناء الإرهابية؟.

لا نعتقد أن «الملائكة» تحملها إليهم من السماء.ولا طريق إلى ذلك إلا عبر قطاع غزة… وهذا منطق لا يحتاج الى شهود إثبات. وفي الوقت نفسه لا تستطيع حماس أن تنكر القاعدة القانونية التي تساوي بين الإرهاب وداعميه.

يبقى في الإحتكام إلى التاريخ أن تحالفات حماس تتبدل بتبدل الظروف والمصالح.

يوم حكم «إخوانها» مصر تخلت عن سوريا التي آوتها، وعن إيران التي سلحتها، وعن «حزب الله» الذي كان جسرها للسلاح والمال.

وعندما طردت مصر الإخوان أعادت وصل ما انقطع مع إيران و«حزب الله». وما زالت تحاول مع سوريا.

بالمحصلة يمكن الجزم أن حماس حركة إنقلابية على السلطة الفلسطينية وعلى الحلفاء… وعلى المقاومة.

وليد الحسيني

 

السينما اللبنانية: صالات ممتلئة وأفلام فارغة

مشهد من فيلم يلا عقبالكن

مشهد من فيلم يلا عقبالكن

كتب عبد الرحمن سلام:

“عجلة الانتاج السينمائي اللبناني، عادت بفضل الله واجتهاد وتعب أهل الفن السينمائي للدوران، بعد توقف استمر لسنوات طويلة، تسببت به، بداية، الحرب اللبنانية، ثم تردداتها الاقتصادية – الانتاجية على سوق السينما اللبنانية”.

بهذه العبارات، يواجهك كل عامل في المجال السينمائي، وإلى أي تخصص انتمى.  ويضيف: هذا مع الاعتراف بالطبع، بأن مرحلة ما بعد الحرب، شهدت بعض الانتاجات المحلية التي قد لا تتجاوز عدد اصابع اليدين، على مدى السنوات الـ15 التي تلت نهاية ايام التقاتل بين اللبنانيين، ومع الاعتراف كذلك، بأن هذا الانتاج اقتصر على ما يمكن وصفه بـ”سينما الحرب”.

عند هذه النقطة، ينتهي رأي اهل السينما، لتبدأ الوقائع بسرد مفرداتها حول واقع السينما اللبنانية منذ بدء “دوران عجلة الانتاج” بحسب قول السينمائيين اللبنانيين، في السنوات الأربع الاخيرة.

بداية، نعترف للسينما اللبنانية بشجاعتها (اذا جاز التعبير)، كونها، خاضت ـ وما زالت ـ معركة انتاجات سينمائية، هي اشبه ما تكون بـ”المغامرة الفنية غير المحسوبة النتائج”، خصوصا على صعيدي الانتاج، والتسويق، (الخارجي تحديدا) حيث ان السوق المحلية قد لا تغطي ربع تكلفة انتاج فيلم من النوع المتوسط.

“مغامرة” بكل ما للكلمة من معنى، بسبب ضعف الامكانات المادية والتقنية، اضافة الى ضعف الهيكلية البنيوية التي يتطلبها تحمّل مثل هذه المسؤولية، كأن يتوفّر لها ـ على الاقل ـ ستوديو سينمائي (ولو واحدا) قادرا على تلبية وتأمين حاجات الانتاج والاخراج وفريق التمثيل وبقية الافرقاء التقنيين، من حيث متطلبات التصوير الداخلي (على سبيل المثال)، وهي تعتبر اولى مجالات النقص الرئيسية، ما يشكل نقطة الضعف الاساسية في عمليات الانتاج السينمائي في لبنان. هذا الواقع  يجبر القيمين على هذا الانتاج، اللجوء، إما الى تكثيف التصوير الخارجي (بكل ما يسبب ذلك من عثرات للمؤلفين والمخرجين والممثلين وبقية التقنيين)، وبالتالي الاستنجاد  بالبيوت والفيلات وبقية مواقع التصوير الخارجية  التي كان يمكن تفادي اثقالها المادية والمهنية، لو توفّر مثل هذا الستوديو، كما يجبر صناع الفيلم على تخصيص مساحة لا بأس بها من “الجنريك” من اجل توجيه الشكر لعشرات المطاعم والمؤسسات وأصحاب البيوت والفيلات التي استضافت “التصوير الداخلي”، خارجيا.

وبالعودة قليلا الى سنوات ما قبل الحرب اللبنانية، يتبين لكل مطّلع ان السينما اللبنانية، حققت، بالمفهوم التقني للعمل السينمائي، أكثر من انجاز، حيث كان لها اكثر من ستوديو سينمائي متكامل الصفات والمواصفات: “ستوديو بعلبك” و”الستوديو العصري”، الاول أنشأه بنك “انترا” الذي كان رئيس مجلس ادارته يوسف بيدس، وهدفه تحويل المنطقة التي اقام فيها الستوديو الى “هوليوود لبنان”، فيما الثاني اقامه مستثمر لبناني.  وقبل هذين الستوديوين، كان المصور ـ المخرج ميشال هارون قد أنشأ ستوديو حمل اسمه، وإنما بإمكانية تقنية ـ مالية اقل. وإذا كان الستوديوان “بعلبك” و”العصري” استضافا معظم انتاجات السينما اللبنانية منذ العام 1962 وحتى نهاية العام 1975، وسواء كانت هذه الانتاجات لبنانية بالكامل، أم بالاشتراك مع مصر أو سوريا، فإنه يسجل لستوديو “هارون” مساهمته في ارساء الأساس لصناعة الفيلم اللبناني، كونه أسهم، ولو بإمكانات ضئيلة، في تقديم الخدمات لكل الافلام التي صورت ما قبل العام 1962. وفي المحصلة، تكون السينما اللبنانية، على مدى المرحلة المذكورة، قد انتجت افلاماً متفاوتة المستوى والمضمون، ولكنها اسست فعليا لنهضة سينمائية لو كتب لها الاستمرار بقوة الدفع الذي بدت عليه منذ بدايات الستينيات وحتى اواسط السبعينيات، لكان للفيلم اللبناني شأنا آخر، عما هو عليه اليوم، ومنذ ان عادت “دواليبه” للعمل، كما يقول السينمائيون اللبنانيون.

“غدي” و”عصفوري” و”BeBe” و”حبة لولو” و”سكر بنات” وأفلام اخرى بلغ مجموعها في العام 2013 تسعة افلام لبنانية، حركت من دون شك السينما اللبنانية منذ العام 2010، بعد مرحلة ركود استمرت لسنوات، وأسهمت بتخطي الفيلم اللبناني حدوده المحلية وبلوغ المهرجانات الاقليمية والعالمية، ومنافسة (محليا) العديد من الافلام المصرية.  والمنافسة هنا، قد تعني حيناً جودة المضمون الفني، وقد تعني احيانا كثيرة المردود المادي من السوق المحلية وبعض الاسواق العربية المجاورة. وهذه “الظاهرة” أثارت حماسة بعض المخرجين اللبنانيين والمنتجين والممثلين، فدفعتهم الى الاقدام على مشاريع مماثلة، متفائلين بالقادم من الاعوام.

لكن من الواضح أن السينمائيين اللبنانيين يبنون آمالهم على أن نجاح العمل فنيا ومضمونا، يستند أساساً على ما يحققه من ايرادات، وليس أكثر.  مع العلم ان الايرادات يمكن مضاعفتها عبر استخدام “تقنيات” لا علاقة لها بالعمل السينمائي، بقدر علاقتها بالاشكال التي تظهر عليها بعض الممثلات، او بالحوارات التي يتداولها الممثلون والممثلات، أو بالايماءات والاسقاطات التي تلهب احاسيس ومشاعر الجمهور، اذ ليس كل فيلم يحقق المردود المادي يصنّف في خانة “النجاح”.

إن الكثير من انتاجات الأعوام الاخيرة، قدم إما “قصص حب”، مع ما تحتاج اليه مثل هذه النوعية من الافلام من “توابل” و”مقبلات” تغري المشاهد. وإما حكايات مستقاة من محطات الحرب اللبنانية التي “مجّ” المشاهد اللبناني مقاربة تفاصيلها لكثرة تناولها.

وبين الحرب والحب، يجد المشاهد اللبناني نفسه ضحية لكثير من الكادرات المبتذلة.  حتى المخرجة اللبنانية الأكثر شهرة وعالمية نادين لبكي وقعت في فيلمها “وهلأ لوين” (2011) في كليشاهات التعايش الاسلامي المسيحي وتنقل الكاميرا بين المسجد والكنيسة.

أما آخر الانتاجات سطحية، كان من دون أي منازع فيلم “يلا عقبالكن” الذي ملأ صالات السينما بالمشاهدين، دون أن يقدم لهم أي مضمون يعالج بعمق تحديات العنوسة التي تعاني منها بطلات الفيلم الأربع.

إن الابتذال في الانتاج السينمائي اليوم، لا يبرره واقع تاريخ السينما اللبنانية.  فبدايتها كان في العام 1929، بفيلم حمل عنوان “مغامرات الياس مبروك” اخرجه الايطالي المقيم في لبنان جوردانو بيدوتي، الذي عاود الكرة في العام 1931 بفيلم حمل عنوان “مغامرات ابو عبد”. هذان الفيلمان فتحا الباب امام مغامرين كثر لخوض التجربة، فتم انتاج فيلم بعنوان “بين هياكل بعلبك” في العام 1936 من اخراج جوليو دي لوكا.

وكما هو واضح، فإن البداية كانت بثلاثة افلام لمخرجين لبنانيين، الى ان اقدم اول لبناني علي العريس في العام 1943 على اخراج فيلمه “بائعة الورد”، ومن بعده بثلاث سنوات (1946) قدم فيلمه الثاني “كوكب اميرة الصحراء”.

هذه الافلام اعتبرت تجارب اولية لصناعة الفيلم السينمائي اللبناني الذي بدأ بالفعل خطواته الفعلية “الاحترافية” في العام 1951 بفيلم “عروس لبنان” من بطولة محمد سلمان وحنان (لبنانيان) وإنما من اخراج حسين فوزي (مصر).

ومع بداية العام 1952، استقبلت دور العرض في بيروت، اول فيلم لبناني بالكامل، انتاجا واخراجا وتصويرا وتمثيلا، حمل عنوان “عذاب الضمير” للمخرج جورج قاعي، ومن انتاج “شركة الارز” ومن بطولة احسان صادق، نهوند ولوسيان حرب لتتوقف من ثم عملية الانتاج السينمائي اللبناني لخمس سنوات، ولتعود في العام 1957، وإنما بزخم اقوى، حيث، اضافة الى فيلم “اللحن الاول” للمخرج محمد سلمان، و”زهور حمراء” للمخرج ميشال هارون، قدم المخرج المصري حلمي رفلة ثلاثة افلام لبنانية: ابن افريقيا، بنت الشيخ، نساء من ذهب. وهذا المخرج، كما اعلن في حينه، وجد في طبيعة لبنان، “ستوديو قادرا على الاستغناء عن التصوير الخارجي”.

أما البداية الجدية لـ”دوران عجلة الانتاج السينمائي اللبناني” فكانت في العام 1958، حيث قدم المخرج جورج قاعي فيلمه “ذكريات”، وجورج نصر فيلمه “الى اين”، وجوزف فهدة “لمن تشرق الشمس”، ومحمد سلمان “موعد مع الامل” ولتتوالى، منذ ذلك التاريخ الانتاجات اللبنانية، وليصل عدد الافلام اللبنانية (بحسب موسوعة الافلام العربية) الى (198) فيلما على مدى (64) عاما، تخللتهم سنوات حرب استمرت 15 عاما، ضعف فيها الانتاج السينمائي وأخرجت من دائرته، الانتاجات العربية التي كانت لها اسهاماتها (وهي كثيرة) في صناعة الفيلم اللبناني، كما صنفتها “موسوعة الافلام العربية” ضمن “الانتاج السينمائي اللبناني”.

وفي مجموعة الانتاجات الممتدة من العام 1952 وصولا الى 1993، تنوعت الافلام اللبنانية حتى يمكن القول انها غطت معظم الجوانب التي يمكن للسينما ان تغطيها، حضرت الافلام الغنائية، والاستعراضية، والعاطفية، والبوليسية، والحربية، والكوميدية و.. و… الاباحية حتى.

صحيح انها كانت، في احيان كثيرة، دون مستوى الانتاجات العربية الاخرى، لكنها، في احيان اخرى، تفوقت على سواها، بدليل ان فيلم “مرحبا ايها الحب” (1962) للمخرج محمد سلمان ومن بطولة نجاح سلام وسامية جمال ويوسف فخر الدين وحسن المليجي، صور بالالوان الطبيعية، وقبل ان تعرف الكثير من الافلام العربية  الفيلم الملون، كما عرض على هامش مهرجان “كان” في العام ذاته، بحضور نجومه وصناعه، واستقبلوا استقبالا جيدا، سواء من الجمهور او من النقاد والاعلام الغربي.

نقرِّ ونعترف بأن الانتاج السينمائي اللبناني خطى ـ في السنوات الأربع الاخيرة، خطوات مشكورة، من حيث “الكم”، ولكن علينا ان نعترف في المقابل بأن “المضمون” ما زال هشا، روتينيا، مكررا، وان هو غادر احيانا، “غرف النوم” و”السخونة”، فهو ما زال يدور ضمن “الغرف المغلقة” وبالمفاهيم التقليدية، وهي العيوب التي ما زالت تحاصر الفيلم اللبناني، بمثل ما حاصرت افلام عربية اخرى، في بداية صناعة السينما العربية بشكل عام.

الرسّامة تاتيانا غربنايا تمزج ألوان الغرب والشرق

غادة علي كلش:

تنتمي الفنانة التشكيلية تاتيانا غربنايا إلى اوكرانيا الشرقية، وأصلها من روسيا. حصّلت في بلدها دراسة أكاديمية للفن التشكيلي، واتّبعت في رسوماتها ومعارضها المذهب الفني الواقعي. قدمت إلى لبنان في شهر آب (اغسطس) في العام 1991، وصادف ذلك اليوم الذي جرى فيه الإعلان عن إنهيار الإتحاد السوفياتي.

– تقول تاتيانا: حملت من طبيعتنا الجغرافية الريشة الداكنة الألوان، ذلك لأن الشمس في بلادي لاتسطع بتوهج كبير، والسماء لا يصفو أزرقها كثيرا. فكانت لوحاتي بالنسبة الى الجمهور اللبناني ذاتاً ملونة قاتمة بعض الشيء. فكانوا يسألونني عن السبب، فأردّ الأمر  إلى طبيعة البيئة المناخية في بلادنا. ولكن عندما عايشت طبيعة لبنان بشمسه الدافئة الساطعة في أغلب الأيام والأشهر، وبسمائه الصافية جدًّا، صارت الألوان في لوحاتي أكثر إنسيابا وتوهجا وصفاء، وذلك لتأثري بالمعاينة الحسية، والتفاعل البصري والنفسي لهذا البلد الجميل.

■ هل يمكن القول في هذا السياق، أنك مزجت بين حضارتين مختلفتين في عنصريّ الطبيعة والإنطباع؟

– نعم يمكنك قول ذلك. فأنا تمكّنت من الجمع بين خلفيتي الروسية الغربية، وبين مشهدياتي الشرقية العربية، سيّما أنّني تعلّمت اللغة العربية أيضا، وأصبحت لبنانية الجنسية. كما أصبح بإمكاني الخلط  بين ثقافة الألوان والخطوط الغربية، وبين ثقافة الأضواء والظلال الشرقية. فباتت لوحاتي مزيجًا من الريف اللبناني الخلاّب، والتقنيات الروسية العالمية.

■ ترسمين البورتريه بشكل لافت،هل توافقينني الرأي  على أن السوق الفنية تعتمد كثيرا على البورتريه في تعزيز عملية الشراء؟

– نعم صحيح هذا الإستنتاج ، فسوق البورتريه يكون دوما أكثر حركة في عمليات الشراء والمبيع، والدليل على ذلك أن جميع لوحاتي التي تتضمن بورتريات تباع كلها، حتى أنه يجري الطلب عليها من خلال موقعي الألكتروني على الأنترنت، ومن خلال صفحة الفيس بوك أيضا. البورتريه يحاكي شرائح عديدة من جمهور اللوحة، ويعطي حميمية للصورة المرئية، لكونها تحمل ملامح الوجوه،وتشهد تعابير النفس بمواصفات جمالية وإنسانية غنية الدلالة.

■ ترسمين لقصص الأطفال رسومات مصورة. إلى أي مدى يتطلب الرسم لجمهور الصغار مقدرة على الإدهاش والإفادة في الوقت عينه؟

– الرسم لقصص الأطفال بات إختصاصي الذي أحبه كثيرا. فأنا أوليه كل الإهتمام ومعظم وقتي. فهذا النوع من الرسم له خصوصية عالية المضمون التصويري والتقنيات التعبيرية. لذلك أحرص على رسم صور جميلة مؤثرة ترافق أحداث القصة المنشورة عن عالم الحيوان و عن الغاية منها. أحرص على رسم صور غير مباشرة، تتضمن  رؤى زاهية وإشارات تعليمية سلسة، وتعابير فيها من الدروس الجميلة الخفيفة الكثير من المتعة والفائدة. فجيل الصغار يشبه حجر الأساس الذي إن كان قويا جرى البناء عليه بشكل قوي وداعم.

■ عرفنا أنك تعملين اليوم على تقنية الرسم بالرمل للرسوم المتحركة. أخبرينا عن هذا الفن وعن صلتك الجديدة به؟

– أعمل منذ عامين تقريبا على تقنية  الرسم بالرمل للرسوم المتحركة، وهي تقنية تتضمن أيضا  تسليط الإضاءة عليها من خلال صندوق زجاجي أو علبة ضوء مع كاميرا عازلة، فيقوم الفنان برسمها عبر تحريك الرمال المخصصة لهذا الفن بأظفار أصابعه بسرعة قياسية حتى ينجز الصورة بأكملها.  بالنسبة إلي أنا أصبحت أجيد هذا الفن وقد شاركت في عروض مباشرة أمام الجمهور، في كازينو لبنان، فقدمت رسما متحركا يتضمن تفاصيل كثيرة، رسمت فيه الجبل والرياح والشمس والمطر بسرعة فائقة ولمدة دقيقتين. وبإمكاني أيضا أن أنجز أعمالا مخصّصة للرسوم المتحركة المنفّذة بتقنية  ثلاثية الأبعاد.

■ تكتبين القصة لعالم الصغار. هل تتوافق قصصك مع رسوماتك المخصصة للطفل؟

– نعم أحرص على كتابة القصص التي تحاكي خيال القارئ الصغير وتحرك ذائقته نحو الجمال والعناصر الإيجابية في الحياة. كما أحرص على تمرير الغاية التي أود تعليمها للصغار، بأسلوب إنسيابي ملفت للنظر، ومحفز على السؤال الذي يليه جواب نافع. وأعتقد أن اسلوبي في السرد متأثر بجمالية أسلوبي في الرسم، طالما أنّ مبادئي واحدة في كلا المضمارين.

■ ما هي حصيلتك في قائمة المعارض الخاصة بك؟

– أقمت أكثر من معرض فردي وجماعي في لبنان، في فترات مختلفة زمنيا. بدءا من سنة 1983 حيث قدمت لوحات مشغولة بتقنية الزيت، مرورا بالعام 1993 حيث أقمت معرضا للوحاتي المائية، وشاركت في معرض جماعي في متحف سرسق في العام 1994 وأيضا في العام 1997. ولدي مئات الرسوم المصورة المخصصة لكتب الأطفال والمنشورة في دور نشر لبنانية عديدة ومهمة. وقد نلت  شهرة تقديرية  في هذا المضمار بسبب تمايز العديد من أعمالي المشغولة ضمن تقنيات الحداثة.