المنشار والاعتدال

samer pic

بقلم سامر الحسيني

من منا لم يسمع أو لم يقل في لحظة غضب: إلى جهنم وبئس المصير؟

هل يصْدق فينا هذا القول اليائس والبائس، والذي يحمل نسبة من الحقد تكاد تقضي على الأمل في بلد قابل للحياة … قبل أن يكون قابلاً بالعيش المشترك؟

كل السياسات والخطب والتصريحات، وكل ما يجري على الأرض، وكل ما يحقن في النفوس، يؤكد أن لبنان ينطلق حثيثاً نحو مصير أسود، إذا ما استمر اللبنانيون في تعطيل العقل والمضي في سياسة الجنون المزدهرة مذهبياً وطائفياً ومناطقياً … وعلى مستوى الضواحي والقرية والحي والشارع والزنقة – أي الزاروب.

كل هذه الأمراض تتحول شيئاً فشيئاً إلى أمراض مستعصية، طالما أن اللبنانيين قد استهوتهم سياسة المنشار الذي يقطّع الأوصال في الصعود والنزول.

نزعم أننا ننشر الإرهاب صعوداً إلى سوريا والعراق واليمن، في حين أن الإرهاب ينشرنا نزولاً إلى لبنان منتقماً من الذين يقاتلونه بعيداً عن الوطن.

وهكذا، وكالمنشار، أصبحنا ونحن ندفع الإرهاب عنا، ندفع بالإرهاب إلينا.

أليس هذا ما قاله الانتحاريون في الضاحية وطرابلس؟

أليس هذا ما تبلغناه في القاع؟

أليس هذا ما ننتظره غداً في مكان ما؟

إذاً المنشار يأكل من شبابنا صعوداً في حروب بعيدة، ويأكل منا نزولاً في حزام ناسف هنا أو سيارة مفخخة هناك.

وإذا كان “الاعتدال” هو “عقدة المنشار” التي يفترض أن تمنعه من الحركة، فهي عقدة تواجه الكثير من التعقيدات في ظل أسنان المنشار الحادة والمتوحشة والمسنونة بمسنات الفتنة المذهبية والتبعية الخارجية.

إذ لا اعتدال من طرف واحد.  ولا اعتدال إذا لم يقابله اعتدال المتطرف، واعتدال المذهبي، واعتدال التابع.

لا يمكن ادعاء الاعتدال، إذا كانت المذهبية تصيبنا بعمى اجتماعي، بحيث لا نرى لبنانياً غير إبن المذهب والطائفة.

إذا كنتم حقاً تحرصون على لبنان … اعتدلوا.

اعتدلوا بكرهكم له.

اعتدلوا بحبكم لغيره.

اعتدلوا بفسادكم وسرقاتكم.

اعتدلوا بارتكاب ما حرمه الله والقانون وما سمى بالدستور.

اعتدلوا فقط … إن كنتم عاجزين عن التطهر، وهذا أضعف الإيمان.

فاعتدال فريق سياسي واحد لا ينجو بلبنان، إذا لم يلتحق باعتداله باقي الفرقاء … من باقي الطوائف.

سامر الحسيني