في البدايات، كانت الريح تجري بما تشتهي سفن العهد.
حتى الخصوم مدّوا إليه اليد.
منهم من آمن. ومنهم من هادن. ومنهم من داهن. ومنهم من فضّل الصمت.
لا يهم أين كان العهد وكنّا. الأهم أين أصبحنا… ومنذ مدة لم يصبح لبنان على خير.
لقد زادت الأثقال. وبات البلد ينتظر بقلق الساعة التي تحطّ فيها على ظهره الشعرة القاصمة.
لبنان اليوم “دولتان في دولة”. ومن باب الإحترام لـ “الوعد الصادق”، سنصدّق أن حزب الله لا يحكم لبنان. إذ من الطبيعي في “دولة الدولتين” أن يتقاسم الحكم “حاكم” و”متحكّم”.
وهذا يعني أنه إذا تعذر على حزب الله فرض كل ما يريد على الحكومة، فإنه من المتعذر على الحكومة أن تفرض ما يرفضه حزب الله.
وفي “البدايات” أيضاً، كان اللبناني يعتقد أن التيار الوطني الحر، يمشي عكس تيار الطائفية. إلى أن سقطت ورقة التوت العلمانية، وتعرّى التيار طائفياً على يد “حارس في غابة” أوقف التيار تعيينه، لأن التعيين يخل بـ “المعيار المسيحي”، الذي وضعه خادم الرعية نيافة البطرك جبران باسيل.
وهكذا “أصبحنا” على إهانة مجلسي الوزراء والنواب، بامتناع رئيس الجمهورية عن تصديق قانون الموازنة، الذي أنهك المجلسين درساً وتنقيباً عن مخارج لاستعصاءات مالية معقدة.
لقد جعلوا من الطائفية ممحاة مسحت النص الدستوري الذي حرر الوظائف الدنيا من المناصفة.
وإذا استمر التعنت بحجز الموازنة، فإن ممحاة الطائفية ستمحي سيدر وملياراته… وكأنك يا سعد الحرري ما غزيت.
ومن جملة “إصباحاتنا” الجديدة، التحرر من “عبودية” القضاء. وها هو العهد يقف بصلابة إلى جانب حرية المشتكي في اختيار القضاء، وربما القاضي. وقد تبلغ الحرية قمتها في إنتقاء الحكم وتحديد العقوبة.
إنها ظاهرة جديدة لا يمكن استيعابها بسهولة. فمحاكم الجنايات والجنح وُضعت، على ما يبدو، لمحاكمة النوع الرخيص من المجرمين. وهي بهذه الصفة لا تناسب أصحاب النفوذ والحمايات في “دولة الدولتين”… فكما لكل مقام مقال، فلكل مقام محكمة.
وهكذا “أصبحنا” على “المجلس العدلي”. وهكذا أصبح على لبنان إما أن يحيل إليه ملف الفتنة الأصغر، بانتظار أن يخرج عليه بالفتنة الأكبر، وإما أن يرفضه… فيستمر العمل بتعطيل حكومة “إلى العمل”. وعندئذ لا سيدر ولا موازنة و لا حل أزمة النفايات… وبالتالي لا مهرب من تحوّل لبنان واللبنانيين إلى ما يشبه مسلسل “أفواه وأرانب”. أي أزمات تستولد أزمات. ومجاعات تقود إلى مجاعات.
أما وقد “أصبحنا” على ما نحن عليه، يحق للمواطن أن يسأل:
كيف يمكن للعهد أن يعطّل حكومته، وهو الذي وعد بتسليم البلاد للرئيس المقبل بأحسن مما تسلمها؟.
والسؤال الأكثر إلحاحاً:
هل تقاس المسافة إلى سجن رومية بالكيلومترات، أم تقاس بالتحريض والعنصرية وتعطيل الدولة والتسبب في الخراب؟.
لا شك أن الطريق الثاني أقصر بكثير… لكنها مقطوعة من “الدولة المتحكمة”… وربما أيضاً من قبل “الدولة الحاكمة”… إذ لا بد من “جبران” الخواطر.
وليد الحسيني