اللبناني لا يأكل بأذنيه

لا سيفه كان سيف عنترة. ولا زئيره كان زئير الأسد.
مجرد خطبة، بلا ذاكرة، ألقاها حسان دياب على اللبنانيين.
غاب فيها عن ذاكرته أنه، ومكلفيه، قد كلفوا البلد أثمان هذا الإنهيار الفظيع والمريع.
تعودناه، يؤدي أدواراًَ لا يجيدها.
لا يريد شيئاً لنفسه، لكنه ينقل بيته إلى السرايا!.
وبمناسبة السكن في مقر الحكومة، فهو يضمن بذلك البقاء في السرايا، إلتزاماً بالشعار الكوروني السائد…”خليك بالبيت”!.
وهو مستقل. إذ لا هو منحاز لتيار المستقبل، ولا موالٍ للقوات، ولا مؤيد للتقدمي الإشتراكي، ولا منضم لحزب الكتائب.
وهو ليس بمذهبي… بدليل أنه سني بالهوية.
وهو حر في خياراته. فمن الثنائي الشيعي اختار حزب الله باعتباره الأقوى، متجاهلاً حركة أمل. ومن الثنائي المسيحي في حكومته، لجأ إلى أحضان تكتل لبنان القوي، متناسياً تيار المردة.
وقد يتهمنا بالإصطياد في الماء العكر، للإيقاع بينه وبين حركة أمل من جهة، وبينه وبين تيار المردة من جهة ثانية.
ونرد على الإتهام بسؤاله: هل تركت، أنت وحكومتك، ماءً نظيفاً ليصطاد المراقبون فيه؟.
كل مياه لبنان اليوم ملوثة وعكرة.
فهل المطلوب الإمتناع عن صيد أخطائكم وكوارثكم، وبالتالي، ترك حيتان الدولة والدويلة تسبح في كل الإتجاهات، لتبتلع ما تشاء من قوانين وأنظمة. ولتفرض من ثم ديكتاتورية مقنعة، بديمقراطية تلفظ انفاسها الأخيرة على أيديكم، المنبسطة نحو السماء، قارئة على روحها الفاتحة.
نعود إلى الخطبة العصماء، الموصومة بالإنفعال والعصبية.
تحدث دولته فقال أن حاكم مصرف لبنان أخفى الأسماء والمبالغ، التي تم تهريبها إلى الخارج.
ترى هل كان يرضيكم خرق الحاكم لقانون “السرية المصرفية”، لو كشف المخفي؟.
ألغوا “السرية المصرفية”… وعندئذ حاسبوه إذا كتم عنكم أسرار الهروب الكبير لأموال المصارف وكبار المودعين.
لقد أغدقتم على رياض سلامة تهم “الفجوات الكبرى”، ولم تهملوا تعدادها. وكأنكم تحكمون على حكومتكم ورعاتها بالبراءة.
لماذا لا تعترفون، على الأقل، بأنكم القشة التي قصمت ظهر الوطن.
لا يعنينا ما كان وكان في قديم الزمان. نحن نعاني مما هو كائن في زمانكم.
أين وعودكم بالإنقاذ… وقد جئتم إلى السلطة باسمه؟.
أين اختصاصاتكم وخبراتكم، التي حسدتنا عليها حكومات القارات الخمس؟.
لماذا تحولون الحاكم المركزي إلى قميص عثمان، في تحريضكم على النظام الإقتصادي الحر؟.
قد يكون على قميص “سلامة” شيء من شبهة الدم. لكن دماء الليرة اللبنانية تعود لطعناتكم المتوالية بخناجر هدر الوقت، وهدر احتياط الدولار على الكهرباء، التي لا تتوقف عن طلب المزيد، وهدر العلاقات مع العالمين الغربي والعربي.
اللبناني، يا أصحاب الفخامة والدولة والمعالي، ليس آخر من يعلم. هو يعلم، مهما تشاطرتم، بأنكم حصان طروادة، الذي سيبسط عبره حزب الله سيطرته على الإقتصاد، بعد أن بسطها كل البسط على الأمن والحكم من فوق إلى تحت.
تنبيه:
استمعنا يا دولة الرئيس لكلمتك، وما تحمله من وعد ووعيد… لكن المشكلة تكمن في أن المواطن لا يأكل بأذنيه.
تنبيه آخر لدولته:
يقولون المعدة بيت الداء. فاحذر دولتك من المعدة الفارغة فهي بيت داء المجاعة، وهي بهذا تفتك بالدولة ومن فيها… فغادرها قبل أن تغدر بك الثورات.

وليد الحسيني

بغياب الإستقلالية:الإستقالة هي الحل

“يوم حلو… يوم مر”.

“يوم لك… يوم عليك”.

مثالان من الأمثلة الشعبية، التي تتحدث عن الإنصاف بين الناس، لكنهما لم ينصفا اللبنانيين. فمنذ أن استولى على الحكم “التفاهم” الذي “لمّ الشامي على المغربي”، واللبناني لم يرَ يوماً حلواً، ولم يعش يوماً له لا عليه.

لم تبق مصيبة، إلا ومرّت من هنا. وأشدها إذاء استطاب الإقامة… فأقام.

كل هذا، لم يمنع الرئيس حسان دياب، من إمعان النظر في النصف المملوء من كأس الوطن.

خاطب دولته اللبنانيين، عبر إطلالة متلفزة، مبشراً بالانتصار على الأزمات.

لو كان نظره سليماً، لشاهد أن النصف المملوء مملوء بالمصائب.

ولو إختار مواجهة الحقائق، لما كرر، بلا ملل، إتهام الماضي بتحويل الدولة إلى أنقاض، وأموالها إلى منهبة.

في حسابات خريج الأكاديميات، يتوقف الماضي عند الحريرية. ويستثني منه ما مضى منذ قيام “تفاهم الفراعنة”.

أخبرنا عن خطته الإنقاذية. ووعدنا بنجاة لا ريب فيها. وغاب عن علمه وعلومه، أن الحقيقة تقيم على الأرض، لا تحلق في مجرات السماء.

كان واثقاً من وعوده ومواعيده… حتى اعتقدنا أنه يملك خاتم سليمان ومصباح علاء الدين وعصا موسى… وأنه قادر على الإتيان بمعجزات السيد المسيح، لولا حرصه على عدم الإقتراب من مخصصات جبران باسيل، وريث “العهدين” القديم والجديد.

في المشهد الكارثي، حيث يعم البلاء، يتضح أن للإنقاذ طريقاً واحداً يمر من علاقات وثيقة مع دول المُنح والقروض. وهي دول قطعت الحبال، التي تربطها بلبنان، بعد أن أدمن العهد وحلفاؤه اللعب عليها.

وعلى الحكومة “الديابية” إدراك أن الحلول الذاتية لا يمكن الإعتماد عليها في هذه المرحلة… فهي حلول تصلح لمراحل ليس هذا زمانها. فالعواصف التي تعصف بلبنان، لا تنتظر استعادة الأموال المنهوبة بأحكام قضائية، تحتاج لأشهر، وربما لسنين، من التحقيق والتأجيل والدفوع والمداولات.

هذا ليس وقت الإنتظار والمكابرة.

وهذا يعني أن الحل السريع يقتضي ضخ الأموال بأسرع الطرق.

والسؤال، هل تصلح حكومة منتحلي صفة الإستقلالية، السير في الطريق المؤدية إلى دول الخليج، ورعاة “سيدر” في الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟.

الجواب معروف من عنوانه الإيراني.

إذاً، فحكومة المعجزات عاجزة عن الحل.

والحل إذاً في إستقالتها، ومن ثم، تشكيل حكومة مستقلة فعلاً وفوراً، تستطيع أن تحول مجرى الرياح إلى ما تشتهي سفينة لبنان، قبل أن تغرق تماماً بمسالميها ومقاوميها.

إن لم تفعل، وهي لن تفعل، فسيؤدي استمرار هذه الحكومة إلى أن يجتاح لبنان وباء المجاعة، كما يجتاحه اليوم وباء الكورونا… ومن هنا سيبدأ التنافس بين شعار الكورونا “خليك بالبيت”… وشعار المجاعة “موت بالبيت”.

وعلى ما يبدو فإن الغلبة للإثنين.

وليد الحسيني

الإغتصاب

لأن الحسنات يذهبن السيئات، فقد تسلّل وزير الصحة حمد حسن مغادراً سجل السيئات، المكتظ بأفعال الحكومة وقراراتها، ليقيم في سجل الحسنات، كحالة شاذة في مجلس العشرين وزيراً.

لا شك أن ما بذله وزير حزب الله من جهد في مكافحة وباء الكورونا، جعله محل تقدير بإجماع المذهبيين والطائفيين والعلمانيين.

لكن النعم لا تدوم.

فجأة تلاشى الإجماع… وفجأة ذهبت سيئة استيراد الأدوية الإيرانية، بحسنة محاصرة الكورونا.

حتى لو تخلت مختبرات الصيدلة، عن شكوكها بفعالية هذا الدواء أو ذاك، فإن داء السرطان، الأخطر من الكورونا، لا يقبل التساهل بالإعتماد على دواء إيراني، لم تجزه المنظمات الدولية، المعنية بمعايير الجدوى والسلامة.

نفهم أن السياسة في لبنان، يمكنها استباحة الحريات، وإباحة الهدر والفساد. وأن تتسامح بخرق الدستور، وباختراق القضاء… لكن لم يسبق لها أن مدّت يدها إلى القطاع الصحي، مرتكبة جناية التجني على صحة اللبنانيين.

أما وقد حصل، فإن ما يحصل في غرفة عمليات حكومة دياب، هو الآخر يشكل أخطاراً تؤدي بحل الأزمات إلى أزمات أسوأ.

المعلومات المتسربة من إجتماعات وزارية سرية، تفيد أن الحكومة ستأخذ بوصفة مستشارها المالي “لازارد”، وستتجرع كمية من “الفياغرا” المالية، لرفع منسوب شبقها، إستعداداً لاغتصاب أموال المودعين.

“الإغتصاب” تهمة لا يمكن الهروب منها بالتخفي وراء تذاكي وزراء الخبرة بتسمية “الهيركات” بـ “صندوق التعافي”.

“التعافي” من ماذا… وكيف؟.

حتى الأموال المغتصبة، لن تدخل خزينة الدولة العامرة بالفساد. فهي أموال وهمية، لا وجود لها. إنها مجرد أرقام دفترية غير قابلة للصرف. فخزائن إيداعاتها فارغة. وما تملكه المصارف من دولارات، لا يفي ودائع من سلم شرف ماله من شبق الإغتصاب الحكومي.

“التعافي” الوحيد، الذي سيحققه “صندوق التعافي”، يختصر في تخفيض عجز الدين العام. إلا أن العجز، الذي لا شفاء منه، سيستمر في الكهرباء والبنى التحتية والخدمات العامة… وقد يطال ذات شهر رواتب قوى الأمن والجيش وجيوش الموظفين في دوائر الدولة.

أما وأن الحلول لن تغيّر الحال، فالأمراض العضال ستوسع من استيطانها في مختلف القطاعات الإقتصادية.

لن يعود أي منها إلى الحياة التي كانت. فبمجرد إنتهاء عصر الكورونا، سيبدأ عصر الإنهيار الكبير.

لا سياحة… وقد أفلست كُبريات الفنادق والمطاعم، وتشتت الأيدي العاملة الخبيرة.

لا صناعة… وقمة بقاياها لن تنتج سوى علب الكونسروة والجبنة واللبنة.

لا تجارة… وقد فقدت “التاجر الشاطر”، بفقدانها الإعتمادات المصرفية والدولارات الطازجة.

سابقاً كان يقال “من جدّ وجد”. وللإنصاف نعترف لحكومة دياب بأنها جدّت، ووصلت ليلها بنهارها، لكنها لم تجد، ولم تجيد، سوى الخراب.

إن ما آلت إليه البلاد لا يمكن رميه على الحريرية. فلو تتبعنا الإنهيار سنة بسنة، لوجدنا أنه بدأ يوم بدأ تفاهم حزب الله والتيار الوطني الحر.

منذ ذلك الزمن، أخذت الأزمات تتفاقم والديون تتعاظم.

ومنذه، بدأنا بتحويل الوله الخليجي بلبنان، إلى عدم إكتراث، جفت معه منابع المساعدات والهبات. وكلما تعزز نفوذ حزب الله، كلما تقطعت طرق لبنان إلى الخليج.

وشيئاً فشيئاً ذهبت العلاقات الذهبية التي بناها رفيق الحريري أدراج خطابات التهديد وهتافات الوعيد، ولم يكن بإمكان حكوماتنا المتعاقبة والمعاقبة وأدَ هذه الإساءات المتعمدة.

إن البحث الجدي يُرتب على الحكومة أن تُقلع عن العلاج بـ “الكي” فهو لن يكون أنجح دواء. فشدة ناره قد تحرق الوطن بكامله. 

إن الترياق الحقيقي هناك في الخليج. غير أن لون حكومتكم الواحد يجعل الطريق إلى هناك مسدود مسدود… مسدود.

وليد الحسيني

المنسي والمؤجل

خطة الطوارئ الإقتصادية؟.
منسية.​
التشكيلات القضائية؟.
مؤجلة.
إصلاحات سيدر؟.
منسية.
تعيينات المصرف المركزي؟.
مؤجلة.
استرداد الأموال المنهوبة؟.
منسية.
مفاوضات الدين العام؟.
مؤجلة.
قانون جديد للإنتخابات؟.
منسي.
…مؤجلة… منسية… مؤجل… منسي…
وهكذا لو استكملنا ما تعهدت به “حكومة الزهايمر” في بيانها الوزاري، ولو استعرضنا الوعود المزايدة على البيان نفسه، لوجدنا أن كل ما وعدت وتعهدت به حكومة الذاكرة المثقوبة يتوزع بين المؤجل والمنسي.
إنجازات… إنجازات… أكل الكذب عليها وشرب.
لكن، وكلمة حق تقال، ولا يراد بها باطل، نعترف أن دياب ووزراءه قد فاجأونا بإنجاز، لم يخطر على بال بيانهم الوزاري، ولم يرد على لسان أولياء سلطتهم التنفيذية، من سياسيين في أعلى الرتب… ومن محللين في أدناها.
فجأة، وفي زمن الكورونا والجوع والإفلاس الجماعي، يجتمع “مجلس قيادة الثورة على الأوبئة”، ويعلن من السرايا العودة إلى بناء سد بسري، في مبادرة تقر بأن العودة إلى الخطأ، لا عن الخطأ، هي الفضيلة.
وعلى ذكر “فضيلة الخطأ”، نذكر فضيلة العفة”.
ففي نفي فاشل لشبهة “المحاصصة” في تعيينات المصرف المركزي، يقول الرئيس حسان دياب أنه رفضها لأنها لا تشبهه.
يبدو أنها شبهت له كذلك. فحصته كانت ستلتهم كل مواقع السنة، لولا جشع جبران باسيل بالتهام كل المواقع المسيحية.
فلو تخلى رئيس التيار الوطني الحر عن بعض جبنة المسيحيين لسليمان فرنجية، أو لو لبى رئيس تيار المردة، رغبة حزب الله، وقبل مرغماً بـ “الفجعنة” الباسيلية، لخرج الرئيس دياب علينا متغزلاً بمثالية التعيينات، وبأنها لا تشبهه فقط، بل هي نتيجة إرادته الحديدية، في الخروج لأول مرة في تاريخ لبنان، عن سياسة “المحاصصة”، وإلقاء أصحاب الخبرات في سلة المهملات.
من هنا، ومن باب العرفان بالجميل، كان يتوجب على دياب، أن يشكر فرنجية. إذ لولا صلابة الأخير وصموده، لما حظي بلقب “البطل” ولما أتيحت له فرصة التغني ببطولة رفض التعيينات.
وكما أن كل شيء زائف في هذه الدولة الإفتراضية، فإن كل شيء باطل، بما في ذلك البطولات وادعاء العفة والتعفف.
وفي مجال “الإدعاءات” نستغرب إدعاء إسترداد اللبنانيين من الغربة، تلبية لطلب الرئيس نبيه بري. ونستغرب معه التحايل الحكومي المفضوح على إصرار رئيس مجلس النواب، بفرض أربعة أضعاف ثمن تذكرة العودة على طالب لا يملك ثمن تذكرة المترو للإنتقال من البيت للجامعة!!.
إن من يتجرأ ويتشاطر على نبيه بري، يسهل عليه التشاطر على فقراء لبنان. فالمنحة الشحيحة، التي وعدت بها الحكومة للعائلات الأكثر فقراً، هي بالكاد تكفي لطبخة بحص مع بعض الأرغفة من الخبز، المهدد بدوره بالإختفاء، إلا لمن استطاع إليه سبيلا.
كل هذا لا يهم، المهم “سد بسري”… حتى لو “مطرح ما يسري يهري”.

وليد الحسيني