“الإعتذار” القاتل

يزعم قتلة “المبادرة الفرنسية” أنها لم تمت.
يقولون قولهم هذا، وهم من مشى في جنازتها… وحمل نعشها… وحفر قبرها… وقام بدفنها.
يؤكدون أنها لا تزال حيّة فيهم وبهم… وأنهم لم يقتلوها… وأن موتها شبّه للبنانيين.
كيف يكون شبّه لنا، والدولار قد عاجلنا بارتفاعه المذهل، فور إعلان وفاتها؟.
كيف يكون شبّه لنا، وأسعار السلع تكمّل على قدرات المواطن الشرائية، قبل أن يكمّل الدكتور مصطفى أديب تلاوة بيان الإعتذار؟.
أما وقد اعتذر “الأديب” بكل أدب، فقد واجهوه باتهامات فيها الكثير من الإفتراءات وقلة الأدب.
وصفوه بالإنقلابي والمتآمر على المقاومة.
اتهموه بالإنحياز… وبأنه الناطق الرسمي لما يرسمه نادي رؤساء الوزراء السابقين.
اعتبروه خنجراً أميركياً، يتخفى وراء عباءة سعودية.
لقد سعى الرجل بإخلاص لتخليص البلد من مصائب حلّت، ومن مصائب أخرى في طريقها إليه.
حاول تشكيل حكومة الخروج من الكوارث المتمادية، رافضاً توزير ودائع حزبية تعوق القرارات الإصلاحية، تارة بالثلث المعطل، وتارة بتعليمات الرفض والتحفظ.
أرادوه نسخة كربونية عن حسان دياب.
ولأنهم بارعون في اختراع الذرائع أخذوا ذريعة “المداورة” إلى مأزق طائفية الحقائب الوزارية. فلعبة الطائفية وحدها تغلب الإنقاذ وأهله.
“المداورة”، إذا كانت هدفاً، فهي تستهدف منع الأحزاب والقوى السياسية من اغتصاب وزارات بعينها، لأسباب معروفة، حتى لو أنكرها المغتصبون.
تبدأ هذه الأسباب بتلزيمات مشاريع المال السائب لشركات “تقبل القسمة”، ولا تنتهي بتوظيف الأزلام والموالين والأنصار.
إذاً، وبخبث متعمد، حشرت الطائفية بـ “المداورة”.
حشرت لأنها الغطاء السحري للأهداف السرية. فالاعتكاف الحزبي لا يشكل خرقاً للدستور. في حين أن المقاطعة الطائفية ستعتبر إنتهاكاً صريحاً للميثاقية، مما سيؤدي حتماً وحكماً لاستنفار الطائفة المعنية بأمها وأبيها.
وهكذا نجحت “المداورة” الطائفية في سحق “المبادرة” الإنقاذية.
أما وقد تم لكم ما تريدون،
أما وقد اعتذر، من يفترض أن نعتذر منه،
أما وقد تخلصت إيران من “مصطفى اللبناني”، بعد أن انكوت بنار قرارات سميّه ونظيره “مصطفى العراقي”،
بعد كل هذا نستطيع أن نتخطى الشك إلى اليقين، بالتأكيد على أن الولاء للبنان لم يعد تقليداً وطنياً ملزماً لكل اللبنانيين… فربما كان الولاء العقائدي أولى بالتضحية، وأحق بالإلتزام. فلا صوت يعلو على “صمت” المعركة مع العدو الإسرائيلي، حتى ولو كان صوت انفجار المرفأ، الذي دمر نصف بيروت.
والنتيجة؟.
هربت “سيدر” مع الرئيس المعتذر.
وأغلقت طريق صندوق النقد الدولي بحجارة الإعتذار.
وتحققت نبوءة الرئيس ميشال عون… فقد فتحت الطريق إلى جهنم.

وليد الحسيني

إرحموا عزيز وطن ذل

سمع الرئيس ماكرون في إجتماع قصر الصنوبر كلاماً معسولاً، فبشّر اللبنانيين بالعسل.
لكن رئيس جمهورية “الأم الحنون” تفاجأ بأن قادة لبنان لم يصدقوا بما وعدوا. وكان الأولى أن يتفاجأ لو صدقوا.
لقد ارتكب الرئيس الفرنسي “غلطة الشاطر”، عندما أوقع نفسه في فخ “حسن الظن” بطبقة سياسية تتقاذفها الظنون، وتتبادل الشكوك… وتؤمن بأن الأفعال تمحو الأقوال.
لو كان يدري، لما تورط بقيادة سفينة إنقاذ لبنان.
أما وقد فعل، فعليه أن يعلم أن في لبنان ثمة من يسعى إلى موت مبادرته الإنقاذية، حتى لو أدى ذلك إلى موت لبنان نفسه.
ولأن الغاية تبرر الوسيلة، فقد استل المعنيون سيف المذهبية لقطع رأس أمل اللبنانيين بالنجاة من الإنهيار الكبير… فإمّا التوقيع الثالث… وإمّا الوقوع الأخير.
لا شك أن فرنسا ارتكبت أخطاء لا ترتكبها الدول المستجدة في العمل الدبلوماسي والمخابراتي.
كان عليها، قبل تقديم مبادرتها، أن تعرف أن ما يجري في لبنان، هو نتيجة لما جرى في العراق.
وإذا كانت الصدفة قد اختارت إسم مصطفى لرئاسة حكومتيْ البلدين، فإن النتائج هي التي فرضت اختلاف السلوك الإيراني هنا، عن السلوك الإيراني هناك.
هناك تساهل الإيرانيون ووافقوا على “مصطفى الكاظمي” رئيساً لحكومة العراق.
كانوا يعتقدون أنه أضعف من أن يتمرد عليهم، وأنهم أقوى من أن تعصف بنفوذهم أي قوة، مهما اشتدت، ومهما امتدت تحالفاتها دولياً وإقليمياً وداخلياً.
إلا أن “مصطفى العراقي” فعل ما لم يجرؤ على فعله الآخرون.
أغلق حدود العراق مع إيران وسوريا، مانعاً تهريب السلاح والأموال والسلع الاستراتيجية.
واجه ذراع إيران الحديدية، المتمثلة بالحشد الشعبي، ففتح ملف شرعيته وشرعية سلاحه.
لم ينتزعه الخوف من عراقيته ليلقي به في أحضان الحرس الثوري.
لقد أظهرت أيام “مصطفى العراقي” ما كان خافياً على طهران.
لم يكن موالياً كما اعتقد الولي الفقيه.
إذاً، ما فعله “مصطفى الكاظمي” في العراق، لن تسمح لـ “مصطفى أديب” أن يكرره في لبنان… فإيران لن تقبل بأن تلدغ من مصطفيين مرتين.
صحيح أن “مصطفى اللبناني” لا يسعى ولا يرغب بالإنقلاب الكامل على النفوذ الإيراني في لبنان… فطموحه بالكاد يصل إلى صيغة لا غالب ولا مغلوب.
لكن، حتى هذا الهدف المتواضع يعتبر من المحرمات. فلبنان بالنسبة لإيران مقر ومستقر لنفوذ لا يقبل المنافسة، ولا القسمة مع نفوذ آخر.
كل هذا يؤكد أن “ديكورات” الديمقراطية اللبنانية مغشوشة بكاملها. مما يعني أن مبادرة ماكرون محكومة بالفشل، إلا إذا تراجعت عن شروطها وخضعت لشروط إلغاء مداورة الحقائب الوزارية، ومنحت المذاهب والأحزاب والحركات والتيارات حق تسمية وزراء السمع والطاعة.
عندئذ يحق للبناني أن يسأل:
لماذا استقال حسان دياب؟.
لماذا لا يعود؟.
وعندئذ يمكن اختصار الأجوبة بجواب واحد:
في داخلنا أعداء، ربما كانوا بطائفيتهم، أشد عداوة للبنان من اسرائيل.
وغداً عندما يعود ماكرون بخفي حنين… لا يبقى أمامنا سوى مناشدة المنتصرين على إنقاذ لبنان بالقول:
إرحموا عزيز وطن ذل.

وليد الحسيني

الثورة تولد من رحم “النحس”

في لبنان ثوار بلا ثورة.
لقد اكتفى الثوار بالتعبير، في حين أن الثورة تغيير.
لم يتركوا مطلباً يعتب على هتافاتهم.
أخذهم بريق الشعارات.
إسقاط النظام. وقف الفساد والهدر. إستقلالية القضاء. إستعادة المال المهرب. مصادرة المال المنهوب (…).
لقد وقعوا في الفخ.
كل ما يطلبون تحقيقه لا يتحقق إلا عبر الشرعية، التي لا يعترفون بشرعيتها.
إنقضت سنة كاملة على الصراخ الثوري.
مع ذلك لم يصل ثوار تشرين إلى الثورة.
ما زالوا يتناقصون عدداً، ويزدادون يأساً.
بدأوها بالملايين، ثم تقلصوا إلى آلاف فمئات.
ساحات كثيرة إعتزلت الانتفاضة وانفضت جماهيرها.
ما تبقى منهم أبقى على مطالب إبليس في الجنة.
كأنهم يجهلون أن النظام الذي ينصره مجلس النواب لا غالب له.
ألم يدركوا بعد، أن التغيير لا يتم إلا بتغيير النواب؟… وأن في بقاء نواب الطوائف تُهدر المطالب الهادرة… وفي تغييرهم يصبح سيف الدولة من خشب؟.
إن الطريق إلى الثورة تمر من صناديق الانتخابات… فاسلكوها. ولا تلقوا على كاهلها أثقال المطالب التي تستحيل تلبيتها في ظل مجلس انتخب قبل عودة الوعي إلى الشعب اللبناني.
كل المطالب بحاجة إلى أصوات نواب، لا صوت لكم فيها.
لا تجعلوا الإنتخابات في مؤخرة مطالبكم، بل اجعلوها المطلب الوحيد. فمن دونها تقدمون للسلطة الجاثمة على جثامينكم فرصة العمر المديد.
تذكروا أن الأقدار منحتكم حظوظاً لم تقتنصوها. والأقدار نفسها إبتلت النظام بمصائب لم يكترث لها.
لقد وفّر “النحس” لكم ظروفاً لم تتوفر للثورة البلشفية بقيادة لينين. ولم تحظ بمثلها الثورة الصينية بقيادة ماو تسي تونغ.
ومع ذلك، لم تتحول متواليات “النحس” إلى ثورة حقيقية، مع أنها نجحت في تفجير غضب شعبي لا يكاد يخرج إلى الشارع، حتى يخرج منه.
لو أن كميات “النحس” التي أصابت لبنان، أصابت مجتمعات أخرى لاشتعلت ثورات لا تنطفئ.
أربع سنوات من “النحس” المتمادي… ومازال بلد الديمقراطية والحرية، ينتظر المزيد.
إفلاس. غلاء فاحش. فقر. مجاعة. عتمة. تدمير بيروت. حرائق تنشر سحب الموت فوق سماء العاصمة.
كل هذه “النحوس”، التي استقوت على لبنان منذ بداية العهد القوي، لم تتمكن من نقل ثوار “البث التلفزيوني المباشر” إلى الثورة المباشرة.
في حالتنا المنحوسة، كان من الممكن أن “تولد الثورة من رحم النحس”.
لكنها لم تولد. ربما لأن الحمل كاذب… أو ربما لأن لبنان عاقر!.

وليد الحسيني

دولة المكلف كن المنقذ لا المنفذ

“فالج لا تعالج”.
هو داء سياسي مزمن.
ترى هل ينجح الرئيس المكلف مصطفى أديب بمعالجته؟.
نخشى أن تخدعه التسهيلات، التي أغدقت عليه أثناء الإستشارات النيابية غير الملزمة، والتي تؤكد التجارب، أنها هي أيضاً غير ملزمة لمغدقيها.
بالآذان الصاغية لتصريحات معظم القيادات السياسية، تأكد اللبنانيون من عودة “الفالج” إلى سيرته الأولى. وبذلك يعود تشكيل الحكومة إلى عُقدِه القديمة، بعد أن ظهرت إلى العلن الشروط المضادة للتسهيلات المتبخرة.
شروط تتنقل عدواها من حركة إلى تيار إلى حزب.
وهكذا يؤدي تمسّك هذا بحقيبة المال، إلى تمسّك ذلك بالطاقة والخارجية، فإلى تمسك ذاك بالأشغال، فإلى تمسّك الآخر بالداخلية والاتصالات، فإلى تمسّك الرئيس القوي بالدفاع والعدل، فإلى تمسّك الأقوى منه بالصحة.
كل هذا يعني أن الحقائب الوزارية، التي استملكت سابقاً بوضع اليد، ستبقى في اليد… إلا إذا نأى الدكتور أديب بنفسه عن تلبية المطالب، التي إذا استجاب لها، فسيحظى بسمعة سلفه حسان دياب، وربما كان طينه أكثر بلة.
يجب أن لا ينسى الرئيس المكلف أنه فُرض عليهم. وهذا يعطيه الحق في أن يفرض هو عليهم الحكومة التي تعينه على الإنقاذ.
أيها الآتي لرئاسة مجلس الوزراء في زمان مختلف… قاوم ولا تساوم.
استعجل تشكيل حكومتك. ففي الحالة اللبنانية الراهنة، تنقلب الحكمة، وتصبح “في العجلة السلامة، وفي التأني الندامة”… فلا تقود نفسك بنفسك إلى الندم.
أي تأخير سيضعف مناعتك، ويقوي “ممانعتهم”.
اللبنانيون، أيها الآتي من المجهول، يجهلونك ولا يعرفون شيئاً عنك… وهذا من فضل الله عليك.
أنت اليوم تستطيع أن تشكل صورتك التي تريد.
هل تريد أن تكون صورة عن حسان دياب، فتنجز في الهواء إنجازات هوائية؟.
أم تريد أن تكون صورة عن رفيق الحريري، فتنجز على الأرض بناء المدمّر، وإنماء المنهار؟.
قرر.
لا ترتعش بما يهوّلون.
إختر الوزير الصالح… لا تخضع لهم باختيار وزراء المصالح.
لا تبحث عن الأمان بمسايرتهم، وبالتالي، القبول بسرعة السلحفاة، وأنت تنطلق إلى تشكيل الحكومة.
أنظر إلى ما قبلك وتعلّم… فانتظارهم نصر، وانتظارك فشل.
هل تدرك يا دولة الرئيس أن أيام قوتك معدودة؟.
يقال أن العقوبات الأميركية على شخصيات لبنانية ستعلن خلال أيام.
معنى ذلك أن العصا قد سحبت من يد “الشاطر ماكرون”… وأن “الشاطر حسن” وحلفاءه، الغارقون في العقوبات الأميركية، لن يخافوا من “البلل الفرنسي”.
لقد هبت رياحك فاغتنمها، قبل أن تتحول أنت إلى غنيمة بيدهم.
شكل حكومتك الآن وليس غداً… فإن قوة ماكرون لا تدوم، خصوصاً إذا خالفت الرغبات الأميركية، التي يبدو أنها لن تقبل بتفاهمات فرنسا وحزب الله.
كن منقذاً لا منفذاً… يا دولة المكلف.

وليد الحسيني