الدستور والمقص

أخيراً تساوى الأضداد في خرق الدستور.

فعلها الثوار كاسرين احتكار السلطة لهذه الجريمة. ولن تغفر لهم مُثُل الثورة فعلتهم هذه.

إن “نبل الهدف” لا يبرر ضرب الخصوم بضرب الدستور.

في الخرق لا فرق بين “مقص المصالح الخاصة”، الذي تستعمله السلطة، و”مقص المصالح العامة”، الذي تستعمله الثورة.

المقصان يرتكبان الجريمة الدستورية ذاتها.

لقد قص الثوار، وبالجرم المشهود، حصانات الرؤساء والوزراء والنواب.

وقعوا في جهل الدستور… فوقفوا إلى جانب القاضي فادي صوان، وفدوه بالمواد الدستورية، التي حصنت هذه الحصانات.

أما وقد أجمع الثائرون والحاكمون على الاستهتار بكتاب لبنان المقدس، فلنجمده إلى أن نبلغ سن الرشد الدستورية.

عندئذ فلتلغى الحصانات برمتها، بما فيها طبعاً، وربما أولاً، حصانة فخامة الرئيس.

عندئذ أيضاً قد ننطلق في طريق العدالة، التي تحلم بها التحقيقات القضائية.

وبالذات، عندما يعلم المحقق، أن فخامته كان يعلم بهول الكارثة الكامنة في العنبر رقم 12.

وكان الأعلم، وهو العسكري العتيق، بمعنى أن يزنر مرفأ بيروت بألفين وسبعمئة وخمسين طناً من المتفجرات.

وكذلك كان فخامته الأقدر على استنفار مجلس الدفاع الأعلى، وهو رئيسه. والأقدر أيضاً على تحريك ألوية الجيش، وهو قائدها الأعلى.

المؤسستان المؤهلتان للإنقاذ، كانتا بإمرته منفرداً ولا شريك له بإصدار الأوامر.

لكن فخامته اكتفى لدرء هذا الخطر النووي، بإحالة روتينية سلكت طريق بريد الصادر والوارد… فكان أن ما كتب على جبين بيروت، قد رأته العين المفتوحة على دمار عظيم وموت أعظم.

ثمة أوامر، كان لا بد أن تصدر ممن بيده الأمر.

وكان لا بد من متابعة التنفيذ لحظة بلحظة.

إلا أن الأوامر الحازمة والحاسمة غابت… فكان الذي خفنا أن يكون.

تقول قوانين الجزاء، حيث وجدت في العالم، أن المسؤولية الأكبر تقع على الأقدر، سواء في تقدير الخطر، أو في تقرير منعه.

إذاً، كل من هو تحت قمة القرار، لا قيمة لاستدعائه أو الإدعاء عليه.

وبما أن الثوار والحاكمين أمعنوا في خرق الدستور، يصبح تعليقه ممكناً وفق مفهوم “الديمقراطية التوافقية”.

لكن الدستور سيبقى منتهكاً ولن يعلق. وعلى ضوء السوابق الكبرى، نجزم أن المحقق العدلي في مجزرة بيروت، لن يختلف عمن سبقوه، ولن يتخلف عن إرسال ملفاته إلى مدافن التحقيقات العدلية، من اغتيال كمال جنبلاط، إلى اغتيال المفتي حسن خالد، إلى اغتيال رشيد كرامي، إلى اغتيال الرئيس رينه معوض.. إلى.. إلى.. إلى اغتيال بيروت.

وستساعد على عملية الدفن هذه، الكوارث العظمى الزاحفة حثيثاً إلى لبنان، مما سيجعل من تحقيقات اغتيال بيروت نسياً منسيا.

إنه زمن الرعب… والأشد رعباً، أن الباقي من عمر العهد يقل قليلاً عن سنتين… وهذا كثير… وأكثر منه رعباً أن ينتهي لبنان قبل أن ينتهي حكم التيار الوطني الحر، الذي لا يعترف بما اقترف… ولا بما أصابنا من قرف.

وليد الحسيني

Leave a comment