دستور الأعراف السيئة

دستور الفراغ يحكم لبنان

دستور الفراغ يحكم لبنان

يتحوّل السلوك إلى عرف، إذا مورس لفترة طويلة.

ولما كنا في لبنان نخالف الدستور يومياً؛ ونكرّس الفراغ ليشمل السلطات الثلاث؛ ونقبل بغلبة النفوذ على القانون؛ ونلغي بند إلغاء الطائفية السياسية بالعمل على تعميمها وتعميقها.

لما كنا نفعل كل هذا، يحق لنا أن نسأل عن شكل النظام الذي يحكم لبنان.

للوهلة الأولى، نبدو كبريطانيا التي استبدلت الدستور المكتوب بالدستور العرفي.

لكن العرف في بريطانيا يقوم على القيم المتوارثة والمحفوظة في وجدان الشعب الانكليزي.  وهو موروث رأى فيه البريطانيون منظّماً لحياتهم وحامياً لمصالحهم وحكماً عادلاً بين الناس.

إذاً، نحن نحاكي بريطانيا بالاحتكام إلى العرف، إلا أننا نخالفها في شكل العرف وأغراضه ونتائجه.

أعرافنا المستحدثة ألغت الدستور عملياً، واتجهت إلى مذهبة الحكم.  وجعلت نفوذ القيادات المذهبية مصدر التشريع والسلطات.  وهكذا بدأنا ننحو نحو حكم الفوضى والفراغ والتعطيل.

إننا اليوم نعيش في نظام مبتكر وخاص.  ونعتقد جازمين أن لا أحد في هذا العالم الكبير يقبل أن يقتدي بنا.

أعرافنا المستحدثة، التي ترسّخ قواعد حكمها الآن، هي عدو للمؤسسات التي تحفظ الدول وتعدل بين الناس، حتى ولو انحرف مسؤولوها وفسدت ضمائرهم.

والمأساة لا تكمن في تجاهل الدستور فقط، بل في إلغاء الجيد من أعراف سادت، قبل أن تطيحها أعراف الغرائز والمذاهب التي تجتاح الدولة من رأسها إلى أسفل أسفلها.

أعرافنا الجديدة منعتنا من انتخاب فخامة الرئيس، وبلتنا بـ 24 صاحب فخامة، أي بمعدّل رئيس لكل ساعة في اليوم.

أعرافنا عطّلت مجلسي النواب والوزراء، وسلخت صلاحيتهما لصالح “سباعية” لبنان المتمثلة في نبيه بري وحسن نصرالله وسعد الحريري ووليد جنبلاط وميشال عون وسمير جعجع.  وهي “سباعية” منقسمة، بين من يحاول إعادة الدولة إلى الدولة، وبين من يدفع بالدولة إلى صراعات أكبر من قدرات لبنان وأبعد من مصالحه.

هذا يعني أننا أمام معضلة أقرب إلى الكارثة الوطنية.  فعندما تفقد “السباعية”، التي فرضها العرف، القدرة على الإنقاذ، وعندما يصبح توافق الحد الأدنى غاية الحوار ومنتهى الأمنيات، يبقى سقف الخطر الأوفر حظاً في الانفجار، حيث لا ينفع في منعه نزع صورة هنا أو رفع لافتة هناك.

التوافق الهش الذي يعيش اللبنانيون على أمله، مهدد بالانهيار، إذا ما امتدت يد “خرسان” أو “داعش” وارتكبت ما حذرت منه معلومات الأجهزة الأمنية.

فهل يتخلى الله عن حمايتنا من حماقاتنا، في ظل اصرارنا على ارتكاب الحماقات؟  وإلى متى يبقى الحظ صامداً إلى جانبنا، لانتشالنا من الواقع المحدق بنا؟

سامر الحسيني

Leave a comment