وقّع… قبل أن نقع

كما ضيّع العرب الأندلس، يضيّع اللبنانيون لبنان.

لقد أعطاهم الله وطناً لم يحافظوا عليه كالرجال.

استهلكوه فأوصلوه إلى الهلاك.

استقرضوا باسمه إلى أن كاد ينتهي إلى الانقراض.

ها هو البلد ينطلق بسرعة ضوئية إلى الهاوية. والقائد “القوي” يرفض بإصرار إستعمال الكوابح المتاحة، لمنع مجاري المصالح الخاصة من ابتلاعه.

كأنه لا يعرف أن العواصف، التي تعصف بلبنان، مقبلة لا محالة على اقتلاع الوطن.

بالتأكيد هو يعرف، لكنه لا يعترف.

الإعتراف يفرض تنازلات لرئيس يرفض التنازل.

لا شك بأن الإفتراء على الحقائق، يدفع بالمفترين إلى ارتكاب كل الآثام الدستورية. وأخطر هذه الآثام بدعة تحريف الدستور، التي يبتدعها “بديع الزمان الجريصاتي”.

وآخر البدائع الجريصاتية، إستيلاء مجلس الدفاع الأعلى على صلاحيات مجلس الوزراء.

هذا هو الإنقلاب الثاني للجنرال باتجاه الديكتاتورية. فمن منا لا يذكر أنه مارس السلطة المطلقة في نهايات ثمانينات القرن الماضي، من دون المرور على مجلس النواب… لا بحثاً عن الثقة، ولا التزاماً بالتشريع.

بكثير من الإستغباء الدستوري، تحول مجلس الدفاع الأعلى فعلاً إلى “مجلس قيادة الثورة”.

وحجة الأنظمة الاستبدادية جاهزة كالعادة:

الضرورات تبيح المحظورات. إلاّ أن حكومة حسان دياب لا تفعل شيئاً، فهي كما كانت قبل الإستقالة حكومة تسويف الأعمال، فإنها بعدها تحولت إلى حكومة تصريف الإهمال.

ومن حجج سعاة تكريس الديكتاتورية، أن الرئيس المكلف يعجز عن تشكيل حكومة، تحتاج إلى توقيع رئيس، لا يزال هو وأتباعه يرددون شعاره الهزلي بأن “العالم لا يستطيع إنتزاع توقيعه”.

وهو، أي الرئيس، الذي أقسم بالمحافظة على الدستور – ولكن على ما يبدو في سلة المهملات – يريد أن يرد على سعد الحريري ويقول له بأن تكليف النواب ليس أكثر من ورقة، بمقدوره أن يبلها ويشرب ماءها.

يا صاحب الفخامة،

لقد صبر اللبناني على الفساد والإهمال منذ الاستقلال.

إلا أنه لن يصبر على أن يُحكم ممن يحاكي نيرون وهو يتمتع بحرق روما.

ندرك أنك تسعى، منذ قديم الزمان، إلى الجمع بين لقبي فخامة الرئيس ودولة الرئيس. وها أنت اليوم تمارسهما، حيث نلت “فخامة الرئيس” بتسوية غير سوية. وها أنت تحظى بلقب “دولة الرئيس” بانتحال مجلس الدفاع الأعلى صفة مجلس الوزراء. ولا ندري إذا ما أوحى لك ذات يوم، فقيه فقهاء الدستور سليم جريصاتي، بأن يتولى مجلس الدفاع الأعلى أيضاً التشريع، فتجمع بذلك ثلاثية الرئاسات في شخصيتكم الموسوعية من بعبدا إلى ساحة النجمة إلى السرايا.

لو أن الديكتاتورية هي الحل للأزمات الساحقة الماحقة المدمرة، لما كانت هذه حالة إيران، ولما كانت هذه نهايات سوريا.

وأنت، وبالذات مع صهرك، لن يرضى عنك الغرب والخليج… وبالتالي ستصْدق نبوءتك عن جهنم وبئس المصير.

اللبنانيون، فخامتك، لا ينتظرون من العالم أن ينتزع توقيعك على تشكيل حكومة بلا حزبيين، هم ينتظرون أن ينتزع ضميرك الوطني هذا التوقيع المحرّم… فوقّع قبل أن يقع البلد.

وليد الحسيني

Leave a comment